
أحد كبار المقاومين للاحتلال البريطاني لفلسطين، استطاع بقدراته على التعبئة والتوعية والتجنيد والتنظيم، ثم باستشهاده، أن يشعل ثورة عام 1936 في فلسطين، ويظل رمزا للمقاومة.
المولد والنشأة
ولد محمد عز الدين بن عبد القادر بن مصطفى بن يوسف بن محمد القسام عام 1882 في قرية جبلة التابعة لمحافظة اللاذقية السورية.
التوجه الفكري
كان عز الدين القسام يعتبر الاحتلال البريطاني هو العدو الأول لفلسطين، ويدعو أيضا إلى محاربة النفوذ الصهيوني الذي كان يتزايد بصورة كبيرة، وظل ينادي الأهالي إلى الاتحاد ونبذ الفرقة والشقاق حتى تقوى شوكتهم.
وكان يردد دائما أن الثورة المسلحة هي الوسيلة الوحيدة لإنهاء الانتداب البريطاني والحيلولة دون قيام دولة صهيونية في فلسطين، في وقت لم يكن فيه أسلوب الثورة المسلحة أمرا مألوفا للحركة الوطنية الفلسطينية آنذاك، حيث كان نشاطها يتركز في الغالب على المظاهرات والمؤتمرات.
بدء مسيرة النضال
في 30 سبتمبر/أيلول 1911 بدأت إيطاليا حصار مدينة طرابلس الليبية بعد تنسيق مع فرنسا لتقسيم المستعمرات، وما إن وصل الخبر إلى مسامع أهل الشام حتى ثارت ثائرتهم، فنشط فتى جبلة وخطيب الشمال في إثارة المشاعر وإيقاظ الجماهير لدفع الصائل عن بلاد العرب وأراضي المسلمين.
جمع القسام مئات الشباب وتواصل مع الحكومة التركية وأخذ موافقتها على نقل المتطوعين عبر ميناء إسكندرون، فمكثوا 40 يوما ولم تأتهم الباخرة للإبحار، لكن القسام أصر على النجدة فانتقل سرا إلى الأراضي الليبية، وأنجز جزءا من المهمة بإيصال التبرعات ولقاء الشيخ عمر المختار.
عندما نشبت الحرب العالمية الأولى عام 1914 تطوع عز الدين القسام للخدمة في الجيش التركي، وأرسل إلى معسكر جنوب دمشق، والمرجح أنه اعتزل القتال حين أعلن الشريف حسين الثورة على الأتراك، وعاد إلى بلده عام 1916، لأنه رفض أن يرفع السلاح في وجه أخيه العربي، مع تمسكه بالولاء للسلطان العثماني.
بداية جديدة في حيفا
في مستهل عام 1921 وصل عز الدين القسام إلى فلسطين، وترجح لديه الإقامة في حيفا، لأنها مركز العمل والعمال الذين كانوا دائما عدته في مقاومة المحتل، ومعهم عشرات الآلاف من الفقراء سكان الخيم الذين سلبت قراهم، كما كانت حيفا قاعدة للأسطول البريطاني وواحدة من قواعد التهويد.
كانت فلسطين تحت الانتداب البريطاني على أثر الحرب العالمية الأولى وما آلت إليه، وفي 11 سبتمبر/أيلول 1922 أقرت عصبة الأمم رسميا وضع فلسطين وشرق الأردن تحت إدارة بريطانيا، التي اتخذت سياسة ناعمة لأن غرضها الأساسي كان تنفيذ وعد بلفور عام 1917 بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين، وأدخلت العامة والخاصة في حوارات وجدالات ومفاوضات لا نهاية ل
ومثلما أطلق الشرارة الأولى لمقاومة الاحتلال الفرنسي في سوريا، عزم منذ وصوله أرض فلسطين على مقاومة الاحتلال الإنجليزي، ولكنه لم يعلن ذلك تصريحا بل كان في شكل تحذيرات كثيرة من الثقة بوعود الإنجليز وتحذيرات أشد من الهجرات اليهودية التي تتدفق على عربات الانتداب البريطاني.
اتخذ نضال القسام في حيفا 3 مسارات:
النشاط الاجتماعي: بالتدريس ومحو الأمية والخطابة والوعظ والتواصل المستمر مع عموم الناس، فدرّس في مدرسة الإناث الإسلامية، ثم مدرسة البرج الإسلامية. وكان مع ذلك يجمع العمال في مدرسة أخرى أسسها بنفسه لمحو الأمية.
النشاط الدعوي: عبر إلقاء المواعظ في مساجد حيفا الكبرى الثلاثة، جامع الجرينة وجامع السوق وجامع عبد الله أبو يونس، فلما بني جامع الاستقلال عام 1925 تولى الشيخ عز الدين القسام الإمامة والخطابة فيه، وتزامن ذلك مع استقالته من العمل في مدرسة البرج.
مقاومة الغزو الفكري: بالكلمة والمناظرة، حيث كانت حيفا مركزا للبهائية والقاديانية، وشهدت تزايد الأنشطة التبشيرية، ولهذا دعم افتتاح فرع لجمعية الشبان المسلمين في حيفا وترأسه منذ تأسيسه عام 1928.
كما أنشأ العصبة القسامية في صورة مجموعات سرية لمحاربة الاحتلال البريطاني لفلسطين، وحرص فيها على السرية، حيث كان يختار الأفراد بعناية كبيرة، ويؤكد لهم ضرورة التخفي عن عيون الاحتلال البريطاني والعصابات الصهيونية.
إعلان الثورة
ولاحظ القسام تزايد متابعته وملاحقة كل من له صلة به منذ أوائل 1935، فقرر إعلان الحركة القسامية مخافة أن تختفي قبل أن تظهر، ومع تزايد معدلات الهجرة اليهودية إلى أرض فلسطين رأى أنه من الواجب إعلان الثورة.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 1935 ألقى آخر خطبه في جامع الاستقلال وجاء فيها "أيها الناس، لقد علمتكم أمور دينكم حتى صار كل واحد منكم عالما بها، وعلمتكم أمور وطنكم حتى وجب عليكم الجهاد، ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فإلى الجهاد أيها المسلمون، إلى الجهاد أيها المسلمون". ثم اختفى فلم يشهده أحد بعدها في حيفا.
توجه عز الدين القسام إلى جنين، وكانت خطته التخفي والاستمرار في العمليات مع عصبته، ولكن خطأ لأحد الأفراد أدى إلى مقتل جندي بريطاني بقرية زرعين في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1935، فأخذ القسام وعصبته يتنقلون بين القرى، وأخذ الاحتلال يشدد الحصار في مكان ضيق، ونشرت قواته جواسيسها في كل مكان، كما نشرت جنودها في ثوب المدنيين.
الاستشهاد
وفي 19 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 عرفت قوات الاحتلال البريطاني مكان عز الدين القسام، فهاجمته بعشرات الجنود بينما كان مع 10 من أنصاره، فرفض الاستسلام لهم وواجههم، وبعد قتال من الصباح حتى العصر استشهد الشيخ برصاصة في جبينه ومعه 3 من عصبته وأصيب اثنان منهم وأسر أربعة.
وفي 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1935 خرج الآلاف في جنازة كبيرة لتشييع عز الدين القسام ورفاقه الثلاثة، وأطلقت الدعوات من العامة والخاصة إلى متابعة سيرهم والنسج على منوالهم، وبقيت هذه الدعوات تتوالى حتى اندلعت الثورة الفلسطينية الكبرى في أبريل/نيسان 1936، واستمرت 4 سنوات، ومثلت انتفاضة كبيرة ضد مخطط وعد بلفور، الذي تحول إلى انتداب بريطاني هدفه إقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.
شاركنا برأيك