
في صيف عام 1982، شنت القوات الإسرائيلية هجومًا واسع النطاق على الأراضي اللبنانية أطلقت عليه اسم "عملية سلامة الجليل". وقد جاء هذا الاجتياح بهدف القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية وبُناها العسكرية والسياسية في لبنان، إلى جانب إعادة رسم الواقع السياسي في المنطقة بما يخدم مصالح إسرائيل.
الأهداف الإسرائيلية من الاجتياح
سعت دولة الإحتلال الصهيونية إلى تحقيق مجموعة من الأهداف الإستراتيجية من خلال هجومها، أبرزها:
- تدمير القدرات العسكرية الفلسطينية: استهدفت القوات الإسرائيلية شلّ بنية منظمة التحرير الفلسطينية ومنعها من استخدام الأراضي اللبنانية قاعدة لشنّ هجمات على إسرائيل.
- إقامة منطقة عازلة: هدفت إلى إنشاء شريط أمني في جنوب لبنان يخضع لسيطرة الاحتلال أو لميليشيات متحالفة معه.
- تشكيل حكومة لبنانية موالية: سعت إسرائيل إلى إقامة نظام سياسي لبناني صديق لها يمكنه إبرام اتفاق سلام دائم يضمن أمن حدودها الشمالية.
- تأمين المستوطنات الشمالية: لحماية مستوطناتها من الصواريخ والعمليات الفدائية المنطلقة من الجنوب اللبناني.
- توسيع النفوذ الإقليمي: رأت إسرائيل في الحرب وسيلة لتقوية موقعها الجيوسياسي وإضعاف خصومها في الشرق الأوسط.
بداية الاجتياح
في 4 يونيو/حزيران 1982، وبعد ساعات من محاولة اغتيال السفير الإسرائيلي في لندن، عقدت الحكومة الإسرائيلية اجتماعًا طارئًا وقررت قصف أكثر من 20 موقعًا للمقاومة الفلسطينية في بيروت وجنوب لبنان، ما أسفر عن مقتل نحو 150 مدنيًا لبنانيًا وفلسطينيًا.
وفي 6 يونيو، بدأت القوات الإسرائيلية اجتياح لبنان فعليًا، حيث تقدمت أربع طوابير مدرعة مدعومة بأكثر من 250 دبابة وآلاف الجنود، وتجاوزت خطوط قوات الأمم المتحدة (اليونيفيل). كما تم تنفيذ عمليات إنزال بحري على طول الساحل اللبناني.
توسع العمليات العسكرية
- واصلت إسرائيل عملياتها بقصف مكثف على بيروت ومناطق الجنوب والبقاع.
- في الأيام التالية، فرضت حصارًا على مدينة صيدا واستولت على قلعة الشقيف، كما وسعت نطاق عملياتها في البقاع لتشمل المواقع السورية.
- في وادي البقاع، شنّ سلاح الجو الإسرائيلي واحدة من أضخم العمليات الجوية، شاركت فيها 96 طائرة حربية استهدفت قواعد الصواريخ السورية من نوع "سام-6"، ودمرت 17 بطارية مضادة للطائرات.
حصار بيروت
- بحلول منتصف يونيو/حزيران 1982، فرض الجيش الإسرائيلي حصارًا خانقًا على بيروت الغربية، مستخدمًا أكثر من 300 دبابة و100 مدفع، مع مشاركة مكثفة من سلاح البحرية.
- عُزلت المدينة عن محيطها، وبدأت القوات الإسرائيلية بقصفها جوًا وبحرًا وبرًا، فيما استخدمت الحرب النفسية عبر منشورات تحث المدنيين على مغادرة العاصمة.
- رغم الدعوات الدولية لوقف إطلاق النار، واصل الاحتلال قصفه، متذرعًا بأن اتفاقات الهدنة لا تشمل المقاتلين الفلسطينيين.
معارك أغسطس ومحاولة السيطرة على مطار بيروت
- في أغسطس/آب 1982 اندلعت أعنف المعارك، حيث حاولت القوات الإسرائيلية السيطرة على مطار بيروت الدولي عبر هجوم بري وبحري مكثف.
- واجهت القوات الإسرائيلية مقاومة شرسة من الفصائل الفلسطينية، وتكبدت خسائر بشرية بعد تدمير إحدى ناقلات الجنود. وردّ الاحتلال بقصف عنيف استهدف مخيمات اللاجئين في محيط المطار.
- بلغت المعارك ذروتها بين 8 و10 أغسطس، واستخدمت إسرائيل خلالها أسلحة محرّمة دوليًا، من بينها القنابل الفوسفورية والعنقودية.
الخسائر البشرية
أسفر الاجتياح عن خسائر بشرية مروّعة، إذ تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) إلى سقوط نحو 26,506 ضحية مدنية، بينهم 11,840 طفلًا و868 امرأة، إضافة إلى آلاف الجرحى والمصابين بحروق وتشوهات دائمة نتيجة استخدام الأسلحة المحظورة دوليًا.
النتائج السياسية والعسكرية
- إخراج منظمة التحرير الفلسطينية: نجحت إسرائيل في إجبار المنظمة على مغادرة لبنان، مما أضعف نشاطها العسكري المباشر ضد الاحتلال.
- تعزيز مؤقت للنفوذ الإسرائيلي: أقامت إسرائيل منطقة عازلة في الجنوب بمساعدة ميليشيات لبنانية حليفة، لكنها فشلت في الحفاظ على نفوذها أمام استمرار المقاومة اللبنانية.
- تفاقم الانقسام الداخلي اللبناني: أدى الاجتياح إلى تعميق الانقسامات الطائفية والسياسية، مما زاد من اشتعال الحرب الأهلية اللبنانية.
- ضغوط دولية متزايدة: واجهت إسرائيل انتقادات واسعة من المجتمع الدولي أجبرتها على توقيع اتفاق 17 مايو/أيار 1983 مع لبنان، الذي لم يصمد طويلًا.
شاركنا برأيك