- الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة"


الانتفاضة الأولى "انتفاضة الحجارة" | فلسطيننا

انتفاضة الحجارة هي انتفاضة شعبية فلسطينية كبرى اندلعت في 7 كانون الأول/ديسمبر عام 1987 في مخيم جباليا بقطاع غزة، بعد أن أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي على قتل أربعة عمّال فلسطينيين عند حاجز بيت حانون العسكري. كانت تلك الحادثة الشرارة التي أشعلت غضباً جماهيرياً واسعاً سرعان ما امتدّ إلى مختلف مدن وقرى ومخيمات فلسطين، لتتحول إلى انتفاضة وطنية شاملة.


الأسباب والخلفيات

جاءت الانتفاضة نتيجة تراكم المعاناة اليومية التي كان يعيشها الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال:

  • القمع الممنهج من قبل سلطات الاحتلال، والاعتقالات اليومية، ومصادرة الأراضي.
  • تدهور الأوضاع الاقتصادية وارتفاع معدلات البطالة داخل المخيمات.
  • الحرمان من الحقوق الأساسية كحرية الحركة والتعليم والعمل.
  • لم تكن الانتفاضة مخططة مسبقاً، بل انطلقت بعفوية شعبية صادقة من أوساط الناس البسطاء الذين سئموا الظلم المستمر.


لماذا سُمّيت بانتفاضة الحجارة؟

أطلق عليها اسم "انتفاضة الحجارة" لأن الحجر كان السلاح الرئيسي للمقاومة في وجه جنود الاحتلال المدججين بالسلاح.


أساليب المقاومة الشعبية

تميزت الانتفاضة بطابعها الشعبي الواسع وبأساليب مقاومة متعددة، منها:

  • رشق جنود الاحتلال بالحجارة.
  • إقامة الحواجز بإحراق الإطارات وإغلاق الطرق.
  • استخدام الزجاجات الحارقة (المولوتوف) في مواجهة الدوريات العسكرية.
  • الكتابة على الجدران كشكل من أشكال التعبير الوطني والدعوة إلى الوحدة والصمود.
  • الإضرابات العامة والعصيان المدني التي شلّت حركة الاحتلال في كثير من المناطق.
  • كانت تلك الأساليب تعبيراً عن إرادة شعبية صلبة لم تملك سوى الحجر والإيمان بالحرية.


سياسة "تكسير العظام"

من أكثر السياسات الإجرامية التي انتهجها الاحتلال خلال انتفاضة الحجارة كانت سياسة "تكسير العظام"، وهي تعليمات عسكرية أصدرها وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك إسحق رابين عام 1988، وتهدف إلى قمع المتظاهرين الفلسطينيين عبر الاعتداء الجسدي المباشر.

قام جنود الاحتلال باستخدام الهراوات الثقيلة وأعقاب البنادق لكسر أذرع وأرجل الفلسطينيين.

كانت هذه السياسة تهدف إلى إرهاب السكان ومنعهم من المشاركة في التظاهرات، لكنها بدلاً من ذلك أشعلت المزيد من الغضب الشعبي وأثارت استنكارًا دوليًا واسعًا بعد انتشار صور وأفلام توثق تلك الممارسات الوحشية.

من بين التقارير التي كشفتها منظمات حقوق الإنسان آنذاك أن آلاف الفلسطينيين أُصيبوا بإعاقات دائمة نتيجة لتلك السياسة، مما جعل "تكسير العظام" رمزًا للعنف المنهجي الذي مارسه الاحتلال ضد المدنيين العزّل.


الأثر السياسي والإعلامي

لعبت الانتفاضة دوراً محورياً في إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة الاهتمام العالمي، إذ نقلت شاشات التلفزة وصور الصحافة مشاهد الأطفال والشباب الفلسطينيين وهم يواجهون الدبابات بالحجارة، مما كشف الوجه الحقيقي للاحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام الدولي، ودفع العديد من الدول والمنظمات للتحرك وإدانة ممارسات الاحتلال.


الخسائر والتضحيات

خلال سنوات الانتفاضة (1987–1993):

  • استُشهد نحو 1,162 فلسطينيّاً، من بينهم 241 طفلاً.
  • أُصيب أكثر من 90 ألف جريح.
  • اعتُقل حوالي 15 ألف فلسطيني.
  • هُدم 1,228 منزلاً واقتُلعت أكثر من 140 ألف شجرة مثمرة.
  • كانت تلك التضحيات دليلاً على عمق الإصرار الشعبي على مقاومة الاحتلال رغم كل الظروف.


نهاية الانتفاضة

بدأت الانتفاضة بالخفوت التدريجي عام 1991، ثم توقفت عملياً مع توقيع اتفاقية أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي عام 1993.

ورغم نهايتها، بقيت انتفاضة الحجارة رمزاً خالداً في الذاكرة الوطنية الفلسطينية، ودليلاً على أن إرادة الشعوب أقوى من الاحتلال.


خلاصة

انتفاضة الحجارة لم تكن مجرد حدث سياسي، بل كانت صرخة كرامة أطلقها جيل بأكمله في وجه الظلم، لتصبح علامة فارقة في التاريخ الفلسطيني الحديث، وبداية مرحلة جديدة من الوعي الوطني والنضال المستمر حتى نيل الحرية والاستقلال.