المقالات - جثامينٌ بلا أسماء… وندوب التعذيب تُعرّي وحشية الاحتلال


جثامينٌ بلا أسماء… وندوب التعذيب تُعرّي وحشية الاحتلال | فلسطيننا

في قاعةٍ صغيرة داخل مستشفى ناصر جنوبي قطاع غزة، تتجمّع عشرات العائلات الفلسطينية أمام شاشةٍ كبيرة علّها تتعرّف على أبنائها الذين اختفوا منذ شهور طويلة.

لكن المشهد يفوق الوصف: جثامين بلا ملامح، مشوّهة بفعل التعذيب الوحشي والحرق والإعدام الميداني، أُعيدت إلى غزة من سجون الاحتلال الصهيوني دون أسماء أو بيانات — فقط أرقام ورموز على أجساد أنهكها الألم والموت.


تسلّم 120 جثماناً مجهول الهوية

يقول إسماعيل الثوابتة، مدير المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن وزارة الصحة تسلّمت عبر اللجنة الدولية للصليب الأحمر جثامين 120 فلسطينياً مجهولي الهوية على ثلاث دفعات.

“بعض الجثامين كانت مقيدة الأيدي والأقدام، مربوطة من العنق، أو معصوبة الأعين، وتحمل آثار حروق وصعقٍ وتعذيبٍ شديد — ما يؤكد أن الاحتلال مارس ضدهم أبشع أنواع الإعدام الميداني”.

وأكّد الثوابتة أن الاحتلال لم يُقدّم أي بيانات أو أسماء، في خطوةٍ تعكس «تعمّد طمس هوية الشهداء ومنع ذويهم من وداعهم بكرامة».



شهادات موجعة: التعرف من شامةٍ أو سنّ

في المشفى ذاته، يحاول المواطن أكرم المناصرة تمييز وجوه أبنائه المفقودين منذ 7 أكتوبر 2023.

يقول بصوتٍ متهدّج:

“لم أتعرف على ابني إلا من شكل الأسنان وشامةٍ صغيرةٍ على أنفه… ملامحه تغيّرت تماماً من شدّة التعذيب.”

صورٌ وصرخاتٌ صامتةٌ تعبّر عن جريمةٍ تجاوزت حدود الحرب لتصل إلى جرائم ضد الإنسانية، وفق توصيف منظمات حقوقية دولية.


رموزٌ بدلاً من الأسماء

من جهته، أوضح أحمد ضهير، مدير الطب الشرعي في مستشفى ناصر، أن الاحتلال سلّم الجثامين مرمّزةً بأرقام دون أسماء، ما جعل التعرف عليها “مستحيلاً تقريباً” بسبب غياب المختبرات وبصمات الـDNA.

وأضاف:

“بعض الجثث حُفظت في ظروفٍ مهينة، ومجرد النظر إليها يكشف حجم الإهانة التي تعرّض لها هؤلاء الأسرى قبل استشهادهم.”


الاعتداء الجنسي كأداة إذلال

لم تقتصر جرائم الاحتلال على القتل والتعذيب الجسدي، بل تجاوزتها إلى الاعتداءات الجنسية الممنهجة على الأسرى الفلسطينيين .

بحسب تقرير مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (OHCHR) الصادر في 31 يوليو 2024، تم توثيق “اعتداءاتٍ جنسية وتعذيبٍ مهينٍ لنساءٍ ورجالٍ فلسطينيين في أماكن احتجاز إسرائيلية” .

وفي تقرير لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة (مارس 2025)، أكدت اللجنة أن الاحتلال الإسرائيلي استخدم “العنف الجنسي والعُري القسري والتحرش والاغتصاب” كأداة إذلال جماعي منذ أكتوبر 2023 .

أما Human Rights Watch فأشارت في تقريرها (23 يوليو 2024) إلى أن الصور والفيديوهات المسرّبة من معسكرات الاحتجاز تظهر “سجناء فلسطينيين شبه عراة ومقيّدين في أوضاعٍ مُهينة” دون تحقيقٍ رسمي من الجانب الإسرائيلي .

وفي 9 سبتمبر 2024، صرّحت براميلا باتن، الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالعنف الجنسي في النزاعات، أن مكتبها تلقّى “تقارير مروعة عن الاغتصاب والتحرش الجنسي والتجريد القسري” ضد محتجزين فلسطينيين لدى إسرائيل .



مقابر الأرقام: موتٌ بلا هوية

وفق “الحملة الوطنية لاسترداد جثامين الشهداء”، تحتجز إسرائيل 735 جثماناً فلسطينياً في ما يُعرف بـ«مقابر الأرقام»، حيث يُدفن الشهداء بلا أسماءٍ أو شواهد، تحت لوحاتٍ معدنيةٍ تحمل أرقاماً فقط.

وكشفت صحيفة هآرتس العبرية (16 يوليو 2024) أن الجيش الإسرائيلي يحتجز في معسكر سَدي تيمان أكثر من 1500 جثمانٍ لفلسطينيين من غزة في ظروفٍ غير إنسانية.


تعذيبٌ ممنهج وجرائمُ بلا محاسبة

كل تلك الشواهد — من التعذيب الوحشي إلى الاغتصاب والإذلال — تشكل منظومة عنفٍ ممنهجة تمارسها إسرائيل ضد الأسرى الفلسطينيين في انتهاك صارخ لاتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.

وتؤكد التقارير الأممية أن إسرائيل لم تُجرِ أي تحقيقاتٍ شفافة أو علنية حول هذه الجرائم حتى اليوم .