بتاريخ 24/11/1983 تمت أكبر عملية تبادل أسرى في تاريخ الثورة الفلسطينية والتي قام بها فدائيون من حركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح، حيث تم الإفراج عن 4600 أسير مقابل 6 جنود اسرائيليين.
تاريخ العملية
كما يروي قائد عملية الأسر المناضل " عيسى حجو " من قضاء طبريا، انه بعد خروج القوات من لبنان صدرت أوامر من قيادة حركة فتح بضرورة أسر عدد من الجنود فقامت المجموعة بإبلاغ القيادة عن وجود إحدى الدوريات الإسرائيلية التي اعتادت على المرور في وقت محدد إلى الشمال من بحمدون عبر واد كثيف الأشجار وشديد الوعورة إلى منطقة حمانا وهي قرية لبنانية نحت السيطرة السورية.
يضيف قائد العملية "انطلقت مجموعاتنا من القاعدة السرية المتقدمة وكنا نرتدي بزات عسكرية مثل البزات التي يلبسها عناصر حزب الكتائب, وعندما اقتربنا من الهدف اتفقنا على عدم التحدث وان يتم التفاهم بيننا بالإشارات, وهناك المجنزرة الإسرائيلية قد أفرغت حمولتها بالكامل والمكونة من ثمانية جنود مدججين بالأسلحة الفردية والذخائر والمؤن التي تكفيهم طوال اليوم.
وبسبب حرارة الصيف ووعورة الطريق اخذ التعب من الجنود الإسرائيليين ما أن وصلوا إلى الكمين حتى استلقوا على الأرض وكلفوا ثلاثة منهم بالحراسة.
في ساعة الصفر تقدمت ودخلت إلى وسط الجنود ولكن لباسي وهيأتي وسلاحي لا يوحيان بأني من الفدائيين بل انني من عناصر حزب الكتائب, فصافحت أحد الجنود وتحدثت معه بالفرنسية التي أتقنتها في دراستي وركزت حديثي إلى احد الجنود وكأني اعرفه من مدة, ثم تقدمت من ذلك الجندي ووضعت قدمي على كعب بندقيته, في هذه اللحظة التي وصل فيها زميلي إلى الموقع وطلبت من الجندي الوقوف واضعا بندقيتي في بطنه وسحبت الأقسام استعدادا لإطلاق النار, فأصبت جنود الموقع بالذهول وحاول احدهم إطلاق النار ولكن احد زملائي تحدث له بالعبرية، قائلا: "لا تطلق النار إذا أردت أن تعود إلى أمك سالما".
فأيقن الجنود الإسرائيليون أنهم محاصرون, فأمرهم قائدهم بعدم المقاومة.
وفي هذه اللحظة وصل زميلنا الثالث, فأدرك الجنود أنهم محاصرون ولا يستطيعون القيام بشيء, فطلبت من صديقي الذي يتقن العبرية أن يقول له إننا فدائيون ولا نرغب بقتلهم أو إيذائهم إلا إذا حاولوا المقاومة, وان الموقع محاصر من جميع النواحي, فصعق الجنود واستسلموا جميعاَ، كنا نعرف أن عدد الجنود في الموقع 8 ولكننا لم نجد سوى خمسة جنود.
وفي هذه اللحظة دخل جندي من بين الأشجار فأمره زميلي بالعبرية برمي سلاحه وإلا لن يرجع إلى أمه سالما, فرأى زملاءه الجنود فقام برمي السلاح ورفع اليدين ثم تبعه الجنديان الأخران.
ومع إن عملية الأسر انتهت إلا انه لم ينته بالنسبة إلى مجموعة الفدائيين, فبقي لديهم مهمة نقل الأسرى من منطقة مليئة بالحواجز والمواقع العسكرية لتنظيمات مختلفة، توجهت لوحدي في البداية للقاعدة وأبلغتهم إن عملية الأسر نجحت, وفي سبيل التغلب على نقل الأسرى إلى منطقة البقاع وعلى مشكلة الحواجز والمواقع المنتشرة في المنطقة تم الاتفاق مع موقع الجبهة الشعبية- القيادة العامة- للمساهمة في عملية نقل الأسرى, حيت تتمتع سيارات الجبهة الشعبية بحرية اكبر في الحركة على الحواجز والمواقع المنتشرة على الطريق.
وتم تقسم الأسرى إلى مجموعتين: المجموعة الأولى تضم أسيرين في سيارة تابعة للجبهة الشعبية وتسير في المقدمة وتضم المجموعة الثانية ستة اسرى في سيارة تابعة لفتح وتسير في المؤخرة وبهذا الأسلوب تم اجتياز الحواجز والمواقع على الطريق إلى مقر القيادة في البقاع ولكن الجبهة الشعبية- القيادة العامة- أصرت على الاحتفاظ بالأسيرين, وعند وصول الفدائية إلى المقر في البقاع عمت الفرحة وتم تسليم الأسرى الجنود إلى محمود العالول, وتم إبلاغ القيادة في دمشق بعملية الأسر.
مرحلة المفاوضات مع اسرائيل:
استمرت المفاوضات مع اسرائيل ما يقارب العام والنصف وشاركت فيها جهات دولية بما فيها الصليب الأحمر, والنسما، شارك في هذه المفاوضات كل من قائد الثورة ياسر عرفات, وخليل الوزير نائب القائد العام للثورة, ونبيل أبو ردينة، حيث كانت مطالب القائد العام للثورة الفلسطينية:
1. إطلاق سراح اسرى معتقل أنصار والنبطية وصيدا وصور.
2. إطلاق سراح مائة أسير وسجين من سجون الداخل.
3. إعادة أرشيف مركز الأبحاث الفلسطيني.
4. الإفراج عن ركاب الباخرتين كورديلا وحنان.
نصت الوثيقة ان تكون عملية التبادل على ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى: التحرك على الشاطئ اللبناني تقوم إسرائيل بإطلاق سراح ركاب الطائرة الأولى من مطار اللد باتجاه الجزائر.
المرحلة الثانية: يتسلم الصليب الأحمر الأسرى الجنود مقابل سماح إسرائيل إطلاق الطائرة الثانية للأسرى إلى الجزائر
المرحلة الثالثة: لحظة تسلم الجانب الفرنسي الأسرى الجنود، تقوم إسرائيل بالسماح للطائرة الثالثة بالإقلاع باتجاه الجزائر على إن يتم إطلاق سراح معتقلي معسكر أنصار الذي اختاروا البقاء في لبنان, حيث نقل الأسرى الفلسطينيين بطائرات جمبوا فرنسية من مطار اللد الى الجزائر.
بدء عملية التبادل:
بدأت في ميناء طرابلس في شمال لبنان في الساعة العاشرة من ليل الخميس 23 تشرين الثاني 1983 حركة غير عادية, حيث كانت زوارق بخارية تقف على أهبة الاستعداد وكانت بداخلها حراسة مشددة من قبل قوات حركة فتح ولا أحد باستثناء معاوني ياسر عرفات وبعض مسؤولي اللجنة الدولية للصليب الأحمر, حيت تم نقل الجنود الأسرى إلى الميناء ثم من الزوارق إلى سفينة فرنسية ترفع علم الصليب الأحمر تبعد 8 كيلومترات عن شواطئ طرابلس حيث قام شموئيل تامير رئيس الوفد الإسرائيلي باستلام الأسرى من مندوبي الصليب الأحمر.
وكان يتم في جنوب لبنان عملية مماثلة حيث توجهت قيادة الجيش الإسرائيلي إلى معتقلي أنصار فعرضت عليهم البقاء في لبنان أو نقلهم إلى الجزائر فاختار 3600 نقلهم الى لبنان وتم نقلهم في 120 حافلة, إما الذين تم اختيارهم للجزائر فقد تم وضعهم في مجموعات صغيرة في معتقل أنصار وبدء نقلهم تحت حراسة مشددة إلى مطار اللد , إلى إن قامت الطائرات الفرنسية بنقلهم إلى الجزائر..
الأسرى فكانوا موزعين على التالي:
- 4700 أسير فلسطيني ولبناني في سجن أنصار، ذهب منهم 1024 إلى الجزائر وعاد الباقي إلى لبنان في مدنهم وقراهم ومخيماتهم.
- 65 معتقلاَ كان في سجون الداخل منهم 52 حكموا بالسجن مدى الحياة بينهم ثمانية من فلسطيني 48.
- 35 من تم احتجازهم في عملية قرصنة بحرية قامت بها السفن البحرية الإسرائيلية.
شاركنا برأيك