
في 24 / 07 / 1922، أقرت عصبة الأمم رسميًا نظام الانتداب البريطاني على فلسطين، لتمنح بريطانيا سلطةً كاملة على البلاد تحت ذريعة "تأهيل الشعب الفلسطيني للاستقلال"، بينما كان الهدف الحقيقي هو تنفيذ وعد بلفور (02 / 11 / 1917) وتحويل فلسطين إلى وطن قومي لليهود.
لقد مثّل هذا القرار الغطاء القانوني الدولي الأول لنكبة فلسطين، حيث أضفى الطابع “الشرعي” على مشروعٍ استعماري مزدوج — بريطاني وصهيوني — هدفه اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم وإحلال المهاجرين اليهود مكانهم.
مضمون قرار الانتداب
تضمّن صك الانتداب البريطاني على فلسطين أكثر من 28 مادة، أهمها المادة التي نصّت على تنفيذ وعد بلفور، وجاء فيها:
“تكون الدولة المنتدبة مسؤولة عن وضع البلاد في أوضاع سياسية واقتصادية وإدارية تضمن إنشاء الوطن القومي اليهودي...”
أبرز ما نص عليه القرار:
- منح اليهود حق الهجرة إلى فلسطين دون قيود.
- تأسيس الوكالة اليهودية لتكون الجهة الرسمية التي تمثل اليهود أمام سلطات الانتداب.
- تسهيل شراء الأراضي الفلسطينية لصالح المؤسسات الصهيونية.
- إهمال الحقوق السياسية للفلسطينيين رغم كونهم أغلبية السكان.
وبذلك، تحولت بريطانيا من "قوة منتدبة" إلى سلطة احتلال مباشر تعمل لخدمة المشروع الصهيوني، مستغلة الغطاء الدولي لعصبة الأمم.
خلفيات القرار
- بعد انهيار الدولة العثمانية عام 1918، تقاسمت الدول الاستعمارية أراضي المشرق العربي وفق اتفاقية سايكس – بيكو (1916).
- وبينما وُضعت سوريا ولبنان تحت الانتداب الفرنسي، تولّت بريطانيا السيطرة على فلسطين والأردن والعراق.
- لكن الانتداب على فلسطين كان مختلفًا، إذ تضمّن نصًا صريحًا بإنشاء وطن قومي لليهود، أي أنه لم يكن انتدابًا لإدارة الأرض، بل مشروعًا استعماريًا موجهًا لتغيير هوية الأرض وسكانها.
النتائج التاريخية
- شرعنة الوجود الصهيوني في فلسطين دوليًا.
- تمكين المؤسسات الصهيونية المالية من السيطرة على الأراضي الفلسطينية.
- تفكيك البنية السياسية والاجتماعية الفلسطينية عبر القمع البريطاني.
- تمهيد الطريق لـ إعلان قيام إسرائيل في 14 / 05 / 1948، أي بعد انتهاء الانتداب رسميًا بيومٍ واحد فقط.
لقد أثبت التاريخ أن “الانتداب البريطاني” لم يكن سوى مرحلة انتقالية من الاحتلال العسكري إلى الاحتلال الصهيوني، تمّ خلالها تسليم فلسطين على طبقٍ من الشرعية الدولية الزائفة.
شكّل قرار الانتداب البريطاني لعام 1922 خيانة كبرى للمبادئ الدولية، لأنه تجاهل تمامًا إرادة السكان الأصليين. فقد كان الفلسطينيون يشكلون أكثر من 97٪ من السكان في ذلك الوقت، ومع ذلك لم يُذكر لهم أي حق سياسي في وثيقة الانتداب. بينما مُنح المهاجرون اليهود القادمون من أوروبا اعترافًا دوليًا مسبقًا لبناء وطنهم على أرضٍ مأهولة بشعبها.
هذا القرار كان بداية مرحلة القهر الاستعماري المنظّم، إذ استخدمت بريطانيا قوتها العسكرية لقمع الانتفاضات الفلسطينية — مثل ثورة البراق (1929) والثورة الكبرى (1936–1939) — بينما فتحت الموانئ والمطارات لاستقبال آلاف المهاجرين اليهود المدعومين من الحركة الصهيونية.
لم يكن انتداب بريطانيا على فلسطين عام 1922 إدارةً مؤقتة كما ادّعت عصبة الأمم، بل مشروعًا استعماريًا ممنهجًا لتفريغ الأرض من أهلها وتسليمها للصهاينة.
ومن خلال هذا الانتداب، تواطأت القوى الاستعمارية مع الحركة الصهيونية لنكبة فلسطين، لتبدأ بذلك حقبة النكبات الفلسطينية التي ما زال الشعب الفلسطيني يعيش آثارها حتى اليوم.
شاركنا برأيك