المقالات - إبادة الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة: تدمير الذاكرة الأكاديمية ومسح الهوية العلمية


إبادة الجامعات الفلسطينية في قطاع غزة: تدمير الذاكرة الأكاديمية ومسح الهوية العلمية | فلسطيننا

منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 وبدء حرب الإبادة الجماعية على غزة، لم تقتصر الإبادة قتل المدنيين وتدمير البنية التحتية فحسب، بل طالت أيضًا مؤسسات التعليم العالي التي تمثل ذاكرة فلسطين العلمية.

لم تسلم أي جامعة أو كلية من القصف أو النسف أو التحويل إلى ثكنة عسكرية. وبات واضحًا أن استهداف الجامعات والمدارس في غزة ليس عملاً عشوائيًا، بل سياسة ممنهجة تهدف إلى اغتيال العقل الفلسطيني، ومحو البيئة الأكاديمية القادرة على إعادة إنتاج الوعي الوطني والمعرفة المقاومة.

خلال عامين من العدوان، استُهدفت جميع الجامعات الفلسطينية في القطاع، ما أدى إلى تدميرها كليًا أو جزئيًا، واستشهاد ثلاثة رؤساء جامعات وأكثر من 95 أستاذًا جامعيًا، بينهم 68 بروفيسورًا، إضافة إلى حرمان أكثر من 88 ألف طالب من مواصلة دراستهم، واعتقال المئات من الطلاب والهيئات الأكاديمية.

 

سياسة تجهيل ممنهجة

يظهر من طبيعة الأهداف التي اختارها الاحتلال أن الجامعات الفلسطينية كانت في قلب استراتيجية “التدمير الكامل للحياة المدنية”. فقد تحولت العديد من المؤسسات الأكاديمية، مثل الجامعة الإسلامية وجامعة الإسراء وجامعة الأقصى، إلى ثكنات عسكرية ومراكز تحقيق قبل أن تُنسف بالكامل.

يرى باحثون في Palestine Studies أن ما يحدث في غزة يمثل مثالًا كلاسيكيًا لما بات يُعرف في القانون الدولي بمصطلح "الإبادة التعليمية" (Scholasticide)، أي تدمير متعمد لمؤسسات التعليم بهدف القضاء على مستقبل الأمة معرفيًا وثقافيًا .

 

الجامعات المستهدفة

1. الجامعة الإسلامية في غزة

تأسست عام 1978، وهي من أقدم مؤسسات التعليم العالي الفلسطينية، وعضو في اتحادات جامعية دولية. في 8 أكتوبر 2023، بدأت سلسلة غارات إسرائيلية أدت إلى تدمير كلي للحرم الجامعي ومختبراته، بما في ذلك كلية تكنولوجيا المعلومات، وكلية العلوم، والمستشفى الجامعي في المغراقة الذي حُوِّل إلى قاعدة عسكرية.

سبق أن استُهدفت الجامعة عامي 2008 و2014 بحجج “الاستخدام العسكري”، دون تقديم أي دليل يبرر تلك المزاعم.

وفق منظمة اليونسكو، تمثل هذه الهجمات خرقًا فاضحًا للمادة 53 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر استهداف المباني التعليمية .

 

2. جامعة الأزهر – غزة

تأسست عام 1991، وهي الجامعة الثانية في القطاع، وعضو في اتحادات جامعية عربية ودولية. في 11 أكتوبر 2023 تعرض الحرم الرئيس ومباني الكليات العلمية للقصف، ما أدى إلى دمار شامل لمكتبتها المركزية ومختبراتها.

وفي نوفمبر 2023 قُصف فرع الجامعة في المغراقة بالكامل. قدرت إدارة الجامعة خسائرها بأكثر من 221 مليون دولار، مؤكدة أن هذا الاستهداف يهدف إلى القضاء على المقومات الأكاديمية في غزة .

 

3. جامعة الإسراء

تأسست عام 2014 في مدينة الزهراء. حولها الجيش الإسرائيلي إلى معتقل ميداني وثكنة قنص قبل أن يقوم في 17 يناير 2024 بنسفها بالكامل، بما في ذلك المتحف الوطني الذي احتوى على أكثر من 3000 قطعة أثرية نادرة.

أدان مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان الجريمة واعتبرها ضمن نمط استهداف “الهوية الثقافية للشعب الفلسطيني” .

 

4. جامعة فلسطين

تأسست عام 2003، ودمّرها الاحتلال كليًا في 18 يناير 2024 في مدينة الزهراء. وقد اعترفت وسائل إعلام إسرائيلية لاحقًا أن عملية التفجير تمت دون موافقة رسمية من رئاسة الأركان، ما أثار انتقادات داخلية ودولية واسعة .

أصدرت الجامعة بيانًا دعت فيه المؤسسات الدولية إلى محاسبة الاحتلال، مؤكدة أن منشآتها “مدنية تعليمية بحتة”.

 

5. جامعة غزة

تأسست عام 2005 وتعرضت لتدمير كلي في ديسمبر 2023، حيث دُمر الحرم الرئيس في حي الزيتون، إلى جانب فروع بيت لاهيا وخانيونس.

قال عميد كلية الإعلام واللغات إن “جيلًا كاملًا فقد حقه في التعليم، وإن إعادة بناء المنظومة التعليمية ستحتاج سنوات طويلة”.

 

6. جامعة القدس المفتوحة

تأسست عام 1992 بنظام التعليم المفتوح. اقتحمها الجيش الإسرائيلي في 15 نوفمبر 2023، ما أدى إلى تدمير مقرها في غزة كليًا، بينما دُمّر فرعها في شمال القطاع بعد قصفه بالمدفعية الثقيلة .

 

7. الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية

تأسست عام 1998، وتُعد أكبر مؤسسة للتعليم التقني في فلسطين. في 19 أكتوبر 2023، قصف جيش الاحتلال مباني الكلية في حي تل الهوى، ثم فجّرها كليًا في 3 أغسطس 2024.

دمّر الاحتلال مبنى الطالبات، مركز الكويت للتطوير، ومبنى الحاضنة التكنولوجية بالكامل .

 

8. جامعة الأقصى

أقدم جامعة حكومية في غزة (منذ 1955). في 31 ديسمبر 2023، قصف الجيش الجامعة ما أسفر عن استشهاد 20 مدنيًا داخل الحرم الجامعي.

وفي فبراير 2024 تم تدمير مكتبتها المركزية بالكامل، ونشر جنود الاحتلال صورًا من داخلها بينما كانت تحترق.

وفق Al Jazeera، يمثل هذا الفعل “استهدافًا للذاكرة الثقافية الفلسطينية وإبادة رمزية للمعرفة” .

 

الإبادة الأكاديمية كجريمة حرب

استهداف الجامعات الفلسطينية يمثل خرقًا واضحًا للمادة 26 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والمادة 50 من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر الاعتداء على المؤسسات التعليمية.

كما يشكل انتهاكًا للمادة 8 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، التي تجرّم “تدمير الممتلكات المدنية دون ضرورة عسكرية مبررة”.

من الناحية القانونية، يمكن تصنيف ما جرى ضمن مفهوم “الإبادة الجماعية الثقافية”، إذ يستهدف الاحتلال مكونات الهوية الوطنية الفلسطينية — من المعرفة إلى الثقافة، ومن التراث إلى الأرشيف العلمي.