يعد مقام النبي موسى من أهم المقامات في فلسطين بسبب ضخامة بنائه وشهرته الواسعة، وكان من أهم أسباب بنائه هو إظهار إسلامية صحراء القدس. فقد بُنيّ المقام في الصحراء (الممتدة من البحر الميت) التي اشتهرت بوجود أديرة وقلالي للنصارى.
أنشأ السلطان الظاهر بيبرس، مقام النبي موسى، الذي يقع إلى الجنوب من أريحا على بعد (8كم)، ويبعد عن القدس (28كم) باتجاه الشرق، وبني المقام في منطقة منعزلة قليلة الأشجار والأعشاب، كما ويرتفع فوق تلال صخرية كبريتية ورسوبية.
ويمتد المقام على مساحة تقارب خمس دونمات، ويشمل ثلاثة طوابق، والتسوية الأرضيّة، ويتوسطه مسجد ضخم مكون من خمس بلاطات، وغرفة ضريح واسعة تحوي القبر وتتوسط بناء المقام، ويحوي المقام مائة غرفة ما بين مفتوحة ومغلقة، وتدور حول المسجد -غرفة الضريح- ساحات مركزية تتسع لأعداد كبيرة من الناس.
وترتفع مئذنة متوسطة الارتفاع، وبإمكان الصاعد إليها مراقبة المنطقة المحيطة بها؛ حيث يرى أريحا والبحر الميت وصحراء واسعة ممتدة وجبال شرق الأردن.
موسم النبي موسى.. احتفال وأهازيج
يبدأ موسم النبي موسى قبل موعده المقرر (في الأسبوع الثالث من شهر نيسان) بأسبوع، وكانوا يسمونه "جمعة المناداة"؛ أي يوم الجمعة الذي يوجه النداء فيه إلى المواطنين استعدادا للنزول إلى مقام النبي موسى بجوار أريحا، ويتم النداء في القدس مباشرة بعد صلاة الجمعة من شهر نيسان، من قاعة المحكمة الشرعية في باب السلسلة، بحضور قاضي ومأمور أوقاف القدس الشريف والعلماء والوجهاء؛ وكان على جميع سكان القدس أن يجهزوا أنفسهم لاستقبال الضيوف ويتم الاستعداد لإحضار الطبول واحضار الكاسات وإحضار البيارق، وكانت هناك عدة بيارق لآل الحسيني والعلمي والقزاز؛ ويمتاز بيرق كل عائلة بلون خاص، ويكتب عليه بعض الآيات القرآنية، ومنها اللون الأخضر ومكتوب عليه "لا إله الا الله"؛ أما الكاسات فهي تشبه الصحون المجوّرة من النحاس يحملها دقاق الكاس ويضربهما ببعضهما البعض بنغمات موسيقية مع دق الطبل، بحيث تخرج نغمات متناسقة يتمايل على صوتها الموكب السائر وراء البيرق، ويضم عددًا من حملة البيارق، ويردد الموكب الأهازيج الدينية والوطنية، ويتوجهون نحو "دار البيرق" في البلدة القديمة في القدس؛ وكانت دار الحاج أمين الحسيني دارا للبيرق حتى خروجه عام 1937 إلى ساحة الحرم الشريف، وكانت النساء يشاركن في هذه المناسبة بإطلاق الزغاريد تحية للجماهير أو يرششن ماء الورد أو الملبس على الموكب.
وتبقى مواكب القدس في ساحة الحرم؛ وتشارك وفود قرى القدس المجاورة في هذه التجمعات بإحضار البيارق ومنها: لفتا، والمالحة، وبيت صفافا، وقالونيا والقرى الشمالية: عناتا، وحزما، وجبع، والرام، وسلوان، وأبو ديس، والعيزرية.
وتبدأ الدلعونا والدبكات الشعبية والصحجات، ويدخل موكب الخليل ويردد: "نحنا الخلاليلة دوبنا لفينا، في صخرة الله والحرم صلينا".
ويحضر وفد نابلس مثل باقي الوفود، ويتوقف في شرفة القدس، ويقابل بترحيب الجماهير التي تصطف لاستقبالهم وينشدون ويرددون: "نحنا ولاد جبل النار شوكة بحلق الاستعمار".
بعد وصول وفدي نابلس والخليل في يومين مختلفين تبدأ بهجة موسم النبي موسى. كانت عائلات القدس ومختلف الوفود تقضي طوال النهار في ساحة الأقصى، يحضرون فيها الطعام والشراب وتفترش الساحات الخضراء الكبيرة، ويحضرون معهم الكبة، والفلافل، والجبنة؛ ويشترون "الكبدة واللية" من اللحامين والباعة المتجولين؛ ويوم الجمعة تكتمل الوفود وتبدأ بالتوجه نحو باب الأسباط للنزول إلى مقام النبي موسى.
مقام النبي موسى بين الماضي والحاضر
وقد ظلت الشعائر والاحتفالات الدينية تقام في موقع مقام النبي موسى منذ التحرير الأيوبي للقدس رغم أن بريطانيا حاولت إلغاء هذه المناسبة؛ فقد كانت وفود القرى والمدن تتسابق وتتنافس في الوصول إلى القدس ثم الخروج إلى مقام النبي موسى والعودة منه.
بعد عام 1948م توقفت الاحتفالات مؤقتا بسبب إحتلال فلسطين، ثم عادت مرة أخرى في الخمسينيات وحتى حرب حزيران عام 1967، حين قامت سلطات الاحتلال الإسرائيلي بمنع هذه الاحتفالات الدينية الإسلامية، إلى أن تم توقيع "اتفاقية اوسلو" التي احتوت على بند خاص ينص على إعادة إقامة وتنظيم الاحتفالات في موقع النبي موسى.
وبعد قدوم السلطة الفلسطينية إلى منطقة أريحا عام 1994م؛ سمحت سلطات الاحتلال للفلسطينيين باستخدام ممر ضيق لموقع المقام.
شاركنا برأيك