وفي الحروب الصليبية تعرض العدد القليل من اليهود الذين كانوا موجودين بالقدس شأنهم شأن الآلاف من المسلمين لعمليات القتل والحرق والتعذيب على يد القوات الصليبية التي احتلت فلسطين واقامت مملكة القدس اللاتينية 1187-1099 م وتضاءل عدد اليهود المقيمين بالقدس في عهد الصليبيين الى شخص واحد وهو صباغ ، كتب عنه الحاخام بتاحيا .
لكن القائد صلاح الدين الذي تصدى للحملات الصليبية عمل بعد تحرير القدس على احياء الوجود اليهودي في المدينة، بل إن الديار الإسلامية جميعها أصبحت بعد انهيار الحروب الصليبية مونلا لليهود من أوروبا وذلك على عكس مسلك الصليبيين الذين كانوا معادين للسامية والاسلام.
وفي العهد العثماني الذي امتد على منطقة غرب آسيا بأكملها منذ 1516 م وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى واصل العثمانيون حرصهم الشديد على تطبيق الأساليب الإسلامية نفسها في التسامح والاعتدال تجاه المصالح الدينية المسيحية في فلسطين، كما فتحت الامبراطورية العثمانية ابوابها امام مئات الالاف من اللاجئين اليهود الذين فروا من الاضطهاد الديني المسيحي في إسبانيا وغيرها من دول العالم المسيحي، لكن الأغلبية العظمى من هؤلاء اليهود سلكت مسلك أسلافها في القرون الماضية بعد الحروب الصليبية وفظت ألا تعيش في فلسطين ذاتها ومن هنا هبط عدد اليهود في القدس مثلا في القرن الأول للحكم العثماني من 1330 الى 980 شخصا، وانخفض في القرن الثاني 150 شخصا واستمر في الانخفاض الى ان بلغ 115 شخصا في منتصف القرن الثامن عشر وحتى بحلول القرن 19 لم يستفد الا القليل من اليهود من فرصة الاستقرار في فلسطين.
واقتصرت اقامة الذين قرروا العيش فيها على مدن أربع هي القدس والخليل وصفد وطبريا، ووضع العثمانيون طائفة من الأحكام واللوائح تضمنت حقوق اليهود والمسيحيين وواجباتهم وممارسة شعائرهم الدينية في مزاراتهم واستندت هذه الأحكام الى العرف والحقوق التي أقر بها الحكام المسلمون منذ العهدة العمرية.