بتاريخ 11/7/1948م، نفذت وحدة كوماندوز بقيادة موشيه ديان المجزرة بعد أن اقتحمت مدينة اللد مساءً تحت وابل من القذائف المدفعية وإطلاق النار الغزير على كل شيء يتحرك في شوارع المدينة، وقد احتمى المواطنون العرب من الهجوم في مسجد دهمش، وما أن وصل الإرهابيون الصهاينة إلى المسجد، حتى قتلوا 176 مدنياً حاولوا الاحتماء فيه؛ ما رفع عدد ضحايا المذبحة الصهيونية إلى 426 شهيداً.
قصفت المدينة من الجو، بأمر من ايغال ألون، ومن ثم شنت العصابات الصهيونية هجوما على وسطها، فانسحب جيش الانقاذ العربي من المدينة، وتحصن المقاتلون في البلدة، واشتبكوا مع العدو، وقتلوا 60 يهوديا، ودفعت العصابات اليهودية بقوات إضافية، وفتحت نيران مدافعهم الثقيلة على المارة، تناثرت الجثث في كل مكان...
وأخذت العصابات تتنقل من منزل إلى آخر، يطلقون النار على أي هدف متحرك، لم يشفع للأهالي الاحتماء بمسجد المدينة، فاقتحم اليهود المسجد، وأطلقوا النار على من فيه، وقتلوا 176 فلسطينيا...
وقائع المذبحة
في صباح 11 تموز ألقت الطائرات الإسرائيلية منشورات دعت الأهالي إلى التسليم ومغادرة المدينة قبل أن تسقط على رؤوسهم، وظهراً بدأ الإسرائيليون هجومهم على اللد من الناحية الشرقية عند قرية دانيال، وتمكن المدافعون عن المدينة من صد الهجوم بعد معركة عنيفة. وعلى الرغم من الخسائر الكبيرة التي ألحقها المدافعون بالقوات المعادية، فإن عتادهم القليل نفد، الأمر الذي مكّن الصهيونيين من شن هجوم جديد بدعم من المدرعات ودخول المدينة مساءً، فبدأوا بإطلاق النار عشوائياً. وفي اليوم الثاني للهجوم في 12 تموز، تمركز الإسرائيليون حول وسط المدينة. ومع أن اللد لم تستسلم، وأن عمليات المقاومة المتفرقة بإمكانات متواضعة استمرت، إلاّ إن الإسرائيليين تمكنوا من السيطرة على المدينة، فاحتجزوا عشرات المدنيين ودعوا السكان الذكور إلى التجمع في الجامع الكبير وفي جامع دهمش والكنائس وفرضوا حظر تجول في المدينة.
وكانت المفارقة عندما أرسلت القيادة الأردنية قوة مدرعات للتثبت من حقيقة الموقف في اللد، فظن الأهالي أنها مقدمة لقوة أكبر قادمة لشن هجوم معاكس وإنقاذ المدينة، فتشجعوا وراحوا يهاجمون القوات الصهيونية ولا سيما من الناحية الشمالية حيث دخلت المدرعات الأردنية. لكن المفاجأة كانت في انسحاب المدرعات الأردنية بعد وقت قصير، فاضطر المقاومون الذين تحصنوا في مركز الشرطة إلى الانسحاب نحو الجبال، بعد أن نفدت ذخيرتهم، فكانت النتيجة زيادة في بطش الإسرائيليين الذين راحوا ينتقمون من سكان المدينة متذرعين بالرد على مقتل عدد من جنودهم.
وروت مجندة إسرائيلية أن أحد الجنود كان يجول في شوارع اللد حاملاً مكبراً للصوت واعداً السكان بالحماية شرط البقاء في المنازل وفي المسجدين اللذين دخلهما المئات. غير أن الجنود الإسرائيليين كانوا يرمون قنابل يدوية داخل المنازل بحجة وجود قناصين فيها، الأمر الذي جعل السكان، المذعورين من استمرار إطلاق النار، يخرجون ويحاولون الهرب، فما كان من الإسرائيليين إلاّ إطلاق النار عليهم. وذكر أحد المراسلين أن جثث الرجال والنساء والأطفال تراكمت في شوارع المدينة وبقيت في العراء تحت الشمس أكثر من 10 أيام. أمّا الذين احتموا في مسجد دهمش، فقد أطلق الإسرائيليون النار عليهم، فقُتل العشرات منهم (بين 80 و176 شخصاً). ويقدر أن مجموع القتلى داخل المدينة تجاوز 400 شخص.
تهجير سكان اللد
لم تقتصر مأساة اللد على عمليات القتل العشوائي ومذبحة المسجد، إذ في اليوم نفسه، 12 تموز، اُتخذ قرار إسرائيلي، بحسب المؤرخ بني موريس، بطرد جميع السكان من مدينة اللد. فلدى سؤال وجهه قائد البلماخ يغآل ألون إلى دافيد بن–غوريون عن مصير سكان اللد والرملة، أجاب الأخير، مع إشارة مزدرية وحازمة من يده، "اطردوهم". ومباشرة بعد ذلك، قام يتسحاق رابين، قائد عملية داني، بتوقيع أمر عسكري تضمن الآتي: "يجب طرد سكان اللد بسرعة دون الالتفات إلى السن".
وفي اليوم التالي، في 13 تموز، أجبر الجنود الإسرائيليون سكان اللد (والبلدات المجاورة بما فيها الرملة) البالغ عددهم نحو 70 ألفاً على الخروج من المدينة خلال نصف ساعة وسلوك طريق وعرة للوصول إلى رام الله، فقضى المئات في الطريق بسبب العطش والجفاف والتعب إذ كانت رحلة الخروج شديدة القسوة والهول. فقد مشى الفلسطينيون في طريق الموت في صف طويل، بينما كانت طائرة عسكرية إسرائيلية صغيرة تحلق فوق رؤوسهم على علو منخفض لإرغامهم على مواصلة الرحيل. ويورد موريس، على لسان ضابط المخابرات شماريا غوتمان: "أعداد غفيرة من السكان يمشون الواحد تلو الآخر. النساء مثقلات بأحمال على رؤوسهن، والأمهات يجررن أطفالهن، وبين حين وآخر تُسمع أصوات طلقات تحذيرية، وبين حين وآخر تواجهك نظرة خارقة من أحد الشبان في الطابور، نظرة تقول: لم نستسلم بعد، سنعود لنقاتلكم."
شاركنا برأيك