مسجد الجزار أو جامع الجزار يُعتبر أحد أهم المساجد الموجودة شمال فلسطين، نظراً لحجمه والفن المعماري الإسلامي الذي يُبرز مَعالمه؛ مما جَعله مَقصد المسلمين من مدينة عكا.
يقع المسجد في مدخل مدينة عكا من الجهة الشمالية، بني خلال الحكم العثماني في عام 1781، ويقع في طرف المدينة القديمة لعكا من جهتها الشمالية،
الفن المعماري مسجد الجزار
في حين تبلغ مساحته نحو 4 دونمات، المسجد مثال ممتاز للهندسة المعمارية العثمانية، والذي تضمّن كلاً من الأساليب البيزنطية والفارسية، وعند الوصول إلى الجامع يشاهد عند مدخله (ماء سبيل) رممه سليمان باشا، وكان قد أقامه أحمد باشا الجزار. عند الصعود يوجد عدد من الدرجات، يتم الدخول إلى ساحة واسعة بعضها مبلط، كما تحتوي على أشجار السرو والنخيل العتيق. وفي مركز الساحة يشاهد بناء له قبة خضراء، وبالقرب منه بئر ماء ومزولة من الجهة الغربية، حيث دفن فيها أحمد باشا الجزار، وبجانبه خليفته سليمان باشا الذي مات سنة 1819م. لقد أتم أحمد باشا الجزار بناء المسجد سنة 1782م.
أما حجارة المسجد فقد جُلبَتْ من خرائب قيسارية وعتليت.
يوجد أربعة أروقة جانبية، وواجهة من سبع نوافذ، وفوق كل نافذة لوحة من الرخام الأبيض مكتوب عليها آيات قرآنية وعبارات دينية. وتمتاز الكتابات فوق السبع نوافذ بألوان مختلفة يغلب عليها اللون الأزرق، كما يزيّن المسجد من الداخل جداريات من الألوان الأزرق والبني، وتكسو أرضيته ألواح رخامية متعدّدة الأشكال والألوان، كما أن المسجد مفروش بالسجاد الفارسي.
يحتوي المسجد على بابين، أحدهما يدخل منه المصلون إلى قاعة الصلاة، والباب الآخر يصل إلى المئذنة، كما يضمّ المجسد «سدّة»، وهي عبارة عن مكان واسع لصلاة النساء. ويمتاز المسجد بوجود قبة خضراء نصف دائرية يبلغ قطرها نحو عشرة أمتار، ويكسو القبة ألواح من الرصاص لمنع تسرّب الرطوبة إلى داخل المسجد.
المرافق في مسجد الجزار
غرف صغيره في داخل المسجد فقد كان يسكنها طلاب العلم أيام وجود المدرسة الإسلامية(حتى سنة 1948) في المسجد، وقد تم ترميم المسجد حديثًا، يحيط بالساحة الوسطية رواق كبير كان حتى عام 1948، يشمل المدرسة الأحمدية في ركنه الجنوبي الشرقي، والمكتبة الأحمدية في ركنه الشرقي الشمالي.
يضمّ المسجد خصلة من شعر لحية النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، كان السلطان العثماني عبد الحميد الثاني قد أهداها إلى الشيخ أسعد الشقيري عضو مجلس المبعوثان العثماني. حيث يتم الاحتفاظ بها داخل المسجد في خزانة زجاجية، ويتم عرض هذه الشعرات على المصلين في ليلة القدر من كل عام فقط.
يوجد بالمسجد العديد من الغرف التي كانت مخصّصة للطلاب والحجاج، وكانت تُعرف باسم «المدرسة الأحمدية»، وكان يتم فيها تدريس القرآن الكريم والعلوم الشرعية الإسلامية مثل الفقه والحديث والتفسير. خلال العصر العثماني كانت من أشهر المدارس في تعليم العلوم الشرعية، وظلت تؤدي رسالتها الإسلامية حتى عام 1948 أو ما يُعرف بـ «عام النكبة»، حيث أغلقت أبوابها بأوامر من الاحتلال الإسرائيلي.
كما توجد المكتبة الأحمدية، وكانت من أشهر وأهم المكتبات الإسلامية في العالم، نظراً لما تتضمنه من كتب ومراجع ووثائق تاريخية، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي أغلق المكتبة وأحرق الكثير من الكتب في عام 1948 وخلال الحروب المتعاقبة.
يوجد بالمسجد «سبيل المياه» الذي بناه الجزار، وهو عبارة عن طاسات نحاسية معلقة، بالإضافة إلى الميضأة التي تقع في وسط صحن المسجد، وتقابل مدخل المسجد مباشرة لتسهيل مرور المصلين إلى قاعة الصلاة، وتتكوّن من تسع دوائر رخامية. كما يوجد بالمسجد أيضاً «المزولة»، وهي عبارة عن ساعة شمسية تحدّد الوقت في النهار.
سر الأبيات الشعرية المنقوشة على باب مسجد أحمد باشا الجزار
في مَدخل المَسجد الذَّي بُني قَبل نحو 250 عامًا نُقشت سِتة أبيات شِعرية بالرُّخام الأزرق، والتي لَطالما احتارَ الأهالي في معانيها وهوية كاتبها ومناسبتها وهدفها:
باكِر إذا ما ضفت ألطف جامِع
جَمع البَها وإلى غَرائِبه اغتَرب
واسأل إلهك أنْ يُديم وُجود مَن
قَد شادَه في كُل وَقتٍ يَستجب
ذاك الوزير الشَّهم أحمد مَن غَدا
جَزار أعناق العَداة كَما يَجباعلان
فاعكف لِذكر الله في رَوضاتِه
واعمَل لِوجه اللّه فيه مُحتسب
واملأ صَحائف مَن أقام أساسَهُ
دومًا بِفاتحة الكِتاب ولا تَغب
وإذا مَرَرت بِه تَجد تاريخَهُ
فاعبُد لِربك جاءَ واسجد واقترب
صاحب القصيدة هو القاضي الشيخ الفقيه يوسف بن أحمد الريماوي الهاشمي، وقد كتبها مخاطبًا ابنه الشيخ الفقيه أحمد يومًا قبيل وراثته منصب القضاء من، حيث أن الأب يحث الابن على التبكير لمسجد الجزار كي يستلم المنصب ويباشر القضاء بين الناس ومن ثم الدعاء لمن بناه.
وبعدها تنتقل القصيدة لذكر مناقب الجزار وتنتهي بالحث على الإخلاص في العمل، والشكر لله بالعبادة من صلاة وسجود، وهي تقول إن القضاة يخافون الله ويعلمون أن القضاء أمانة كبيرة.
المسجد في زمن الانتداب البريطاني على فلسطين
ازداد عدد سكان المدينة بحوالي 12360 نسمة في عام 1945م، حيث لم يهتم البريطانيون بالمباني الأثرية، بالمقابل ازدادت أعداد المدارس في هذه الفترة لتصل إلى 13 مدرسة، واشتهرت المدينة في صناعة الزجاج والخزف والفسيفساء والمنسوجات والمطاحن.
المسجد بعد الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948
تضررت مدينة عكا كثيرًا بعد الاحتلال الإسرائيلي فهجرها سكانها العرب في الوقت الذي تدفق فيه اليهود إلى المدينة وبدأت تنمو خارج أسوار المدينة التاريخية فأنشأت أحياء جديدة في الجهة الشرقية والشمالية والشمالية الشرقية وأنشأت منطقة صناعية في جنوب شرق المدينة والتي سميت باسم مدينة الصلب. هذا ما أدى إلى انقسام المدينة إلى جزأين:
- الجزء الأول هو المدينة التاريخية التي تضم المساجد داخل أسوار عكا التاريخية.
- الجزء الثاني هو المدينة الجديدة خارج أسوار المدينة.
من هو أحمد باشا الجزار
ولد أحمد باشا الجزار في البوسنة وهو مسلم متدين وعسكري، أطلق عليه اسم الجزار بسبب وحشيته وقسوته في التعامل مع أعدائه، ويُقال إنه كان يَطوف المدينة بحبل مشنقة متنقل للقصاص الفوري من المجرمين والخارجين عن القانون. وفي عام 1776 أصبح حاكم عكا بفضل مساعدته السلطان العثماني في اخضاع ضاهر العمر، وعُين واليًا على صيدا (كما وعًُين لاحقًا واليًا على دمشق).
شاركنا برأيك