عين الحلوة.. دروب وعرة وعين ترنو للوطن
في مخيم عين الحلوة جنوب لبنان يتجلى التاريخ بالقوة ذاتها التي تغيب فيها معالم الحياة الصحية والعصرية بل إن التردي الشديد في أوضاع وأحوال المخيم –ربما- هو السبب في ابقاء التاريخ حاضرا للتذكير بأن هذه البقعة من الأرض هي بالنسبة لساكنيها مجرد ممر للوطن وليس مستقرا رغم الصعوبة المراهنة على المستقبل الذي تعتريه ضبابية كثيفة.
فقر وبؤس
بإمكان العابر في شوارع عين الحلوة – أكبر مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان مساحة وسكانا- أن يلتمس حجم المشكلة التي يعانيها سكان المخيمات الفلسطينية في لبنان بشكل عام فالفقر والبطالة والتردي في الأوضاع الصحية والاجتماعية والتربوية والمعيشية وكذلك ضيق سبل الحياة هي القواسم المشتركة في حياة قاطني هذه المخيمات.
فالشوارع الرئيسية في عين الحلوة قليلة جدا وهي بالكاد تتسع لمرور السيارات في حين تتولى الزقاق الضيقة مسؤولية ربط أجزاء المخيم ببعضها البعض، والسير في هذه الزقاق ليس سهلاً لغير المعتادين عليها ويتطلب الأمر أحيانا مهارة عالية في المشي على رؤوس الأصابع وسرعة التنقل بين حواف الزقاق خاصة في فصل الشتاء عندما تفيض مياه الصرف بكل أنحاء المخيم.
أما بيوت المخيم المتلاصقة ببعضها البعض فقد أوجدت لنفسها هوية هندسية فريدة من نوعها فبعضها عبارة عن غرف متداخلة وأحياناً متشاكسة قد يكون المطبخ في أولها وآخرها وقد تقل مساحته في أحيان كثيرة عن متر مربع واحد، ولايزال الكثير من سكان المخيم يتخذون من ألواح الزنك أسقفا لمنازلهم.
شوارع المخيم لم تعبد منذ الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام 1982 وفي أيام الشتاء تعجز قنوات الصرف الصحي عن استيعاب كميات الأمطار فتفيض على البيوت وتتلف ما بها من اثاث لتزيد من معاناة سكانها الذين يصارعون لاتقاء البرد القارس. وليس الوضع بأفضل فيما يتعلق بشبكة المجاري والمياه والكهرباء فشبكة المياه قديمة ومهترئة وتشكل خطرا على السلامة العامة حيث يتم ضخ المياه من الآبار الى البيوت مباشرة دون أن تمر في كثير من الأحيان على الخزانات أو تتم معالجتها الأمر الذي يشكل خطراً على صحة سكان المخيم.
وما يزيد الأمر سوءا أن شبكة المياه تقع بجانب شبكة الصرف الصحي المهترئة ايضا وخلال السنوات الماضية اصيب الكثير من سكان المخيم بحالات تسمم جراء تسرب مياه الصرف الصحي على مياه الشرب.. كما أن المئات من سكان المخيم دفعوا ثمن هذا التسرب غاليا من صحتهم اذ اصيبوا بأمراض الكلى التي يضطرون معها لإجراء عمليات غسيل الكلى في فترات متقاربة وهو أمر يعجزون عن مواجهته بسبب ظروفهم المادية القاهرة.
وفيما يتعلق بالخدمات الصحية فلا يوجد مستشفى في المخيم الذي يزيد عدد سكانه عن 50 ألف نسمة لكن يوجد به عيادات تابعة للفصائل الفلسطينية الوطنية والاسلامية كما أقامت الأونروا عيادتان طبيتان لكنها يفتقران الى الكثير من الخدمات الطبية كما ان عدد الاطباء العاملين فيها قليل جدا مقارنة بعدد سكان المخيم المتزايد بشكل كبير.
العمل والتعليم:
يوجد في عين الحلوة عشر مدارس تابعة للأونروا إحداها فقط مدرسة ثانوية وقد انعكس قدم وضيق الصفوف المدرسية بعدد الطلاب على العملية التعليمية في المخيم كما أن الأونروا توقفت عن تزويد الطلبة بالقرطاسية الأمر الذي لا يتناسب مع الغلاء والفقر المتزايد الذي يعاني منه أهالي الطلبة.
وظاهرة التسرب من المدارس هي احدى المشاكل الرئيسية التي تواجهها مدارس المخيم فالكثير من الطلبة يفضلون ترك صفوف المدرسة والإلتحاق مبكراً بسوق العمل أملا بمساعدة أسرهم في توفير رغيف الخبز.
وتزيد نسبة البطالة بين سكان المخيم عن 70% وتنحصر مجالات العمل بالنسبة لهم وفقا للقوانين اللبنانية بمواقع البناء بالنسبة للرجال أمام النساء فليس لهن إلا ورش التطريز أو يصبحن عاملات نظافة.
وإذا كان مخيم عين الحلوة، شأنه شأن كل مخيمات اللجوء الفلسطيني، قد قام بناء على نكبة عام 1948 فإنه لم يسلم من العنف الذي شهده لبنان خلال الحرب الأهلية 1975 – 1990 أو حتى من عمليات الاجتياح الاسرائيلي عام 1982 فدفع الثمن غاليا من حياة الآلاف من أبناءه قتلا وتشريدا ومن بنيته التحتية دمارا وتخريباً.