يرى ثقاة المؤرخين أن عامة أهل فلسطين الحاليين وخاصة القرويين هم نسل كنعان والشعوب القديمة مثل شعوب البحر (الفلسطينيون) أو من العرب والمسلمين الذين استقروا في البلاد اثر الفتح الإسلامي لها وامتزجوا بأهلها الأصليين أي أن جذور الفلسطينيين الحاليين تعود الى 4500 سنة على الأقل وهم لم يغادروها أو يهجروها طوال هذه الفترة الى أي مكان آخر.
ويرد المؤرخون على مزاعم اليهود بحقهم التاريخي بأرض فلسطين بأن قدوم إبراهيم عليه السلام إلى فلسطين كان حوالي سنة 1900 ق م والتوراة تعترف أنها كانت أرضاً عامرة وتسميها باسمها أرض كنعان حتى إن إبراهيم عليه السلام اشترى من أهلها مكانا يدفن فيه زوجته سارة وهو مغارة المكفيلة التي دفن فيها هو أيضاً فيما بعد، وكذلك ابنه اسحق وحفيده يعقوب عليهم السلام. وهي التي بني عليها المسجد الإبراهيمي واستقر بنو يعقوب فيما بعد – واسمه إسرائيل- في مصر بعد ذلك لأجيال عديدة حتى جاء موسى عليه السلام بتكليف إرسالهم إلى الأرض المقدسة حوالي 1250 ق م
شكن الإنسان أرض فلسطين منذ العصور الموغلة في القدم أي قبل حوالي مليون عام وبني أبناء فلسطين أقدم مدينة في العالم – أريحا- قبل نحو 10 آلاف سنة أي 8000 قبل الميلاد.
ويعد العرب الكنعانيون أول السكان المعروفين لفلسطين، وكان ذلك في الألف الثالثة قبل الميلاد وقد أصبحوا مدنيين يعيشون في دول ومدن منها أريحا وأنشأوا معظم مدن فلسطين وقراها التي بلغت في الألف الثاني قبل الميلاد حوالي مائتي مدينة وقرية، ومنها مدن شكيم (نابلس وبلاطة) وبيسان وعسقلان وعكا حيفا، يافا، والخليل وأسدود وعاقر وبئر السبع وبيت لحم وغيرها، وطوروا أبجدية اشتقت منها أنظمة كتب أخرى.
وبفضل موقع فلسطين بمركز الطرق التي تربط القارات الثلاثة فقد أضحت موقعاً للاجتماع الديني والتأثير الثقافي على مصر وسوريا وبلاد ما بين النهرين وآسيا الصغرى وكانت أيضا ساحة للحروب بين القوى العظمى في المنطقة، وخاضعة لهيمنة الإمبراطوريات المجاورة.
وكانت الهيمنة المصرية في مصر والكنعانيون في فلسطين في مواجهة دائمة مع الألفية الثانية قبل الميلاد لتحدي غزاة متنوعين عرقيا كالعموريين لكن الكنعانيين والمصريين كانوا يتمكنون دوماً من هزم الغزاة، غير أنه في القرن الرابع عشر قبل الميلاد بدأت السلطة المصرية تضعف وخضعت لمحتلين جدد هم العبرانيون وهم مجموعة من القبائل السامية من بلاد ما بين النهرين والفلستينيون الذيت سميت البلاد بعد ذلك باسمهم، وإلايجيون وهم شعب من أصل هندي أوروبي.
بعد خروج القبائل العبرية من مصر عام 1270 ق م قاموا بغزو مدن الكنعانيين وتم لهم بقيادة جوشوا السيطرة على أجزاء من فلسطين في 1230 ق م واستقر العبرانيون في تلال البلاد لكنهم كانوا غير قادرين على السيطرة على كل فلسطين.
وفي عام 1125 ق م تمكن الإسرائيليون من هزم الكنعانيين لكنهم كانوا عرضة للغزو من قبل الفلستينيين وتمكن هؤلاء من إنشاء دولة مستقلة لهم على الساحل الجنوبي لفلسطين وسيطروا على مدن الكنعانيين بما فيها القدس وفي عام 1050 ق م ألحقوا هزيمة نكراء بالإسرائيليين وذلك بفضل القيادة العسكرية المنظمة التي كانت لهم واستعمالهم الأسلحة الحديدية.
وفي تلك الحقبة أجبرت التهديدات المختلفة الإسرائيليين على التوحد وتأسيس الحكم الملكي وفي عام 1000 ق م هزم النبي داود عليه السلام الفلستينيين وهكذا تمكن الإسرائيليون من بسط سيطرتهم على أرض كنعان.
وبفعل وحدة الإسرائيليين وضعف الامبراطوريات المجاورة فقد تمكن داود عليه السلام من تأسيس دولة مستقلة كبيرة عاضمتها القدس وشهدت اسرائيل استقرارا وازدهارا ايضا في عهد النبي سليمان عليه السلام لكن الحال تبدل بعد وفاته عام 922 ق م حيث قسمت المملكة الى مملكتين هما:
مملكة إسرائيل: في الجزء الشمالي من فلسطين وعاصمتها شكيم ثم ترزة ثم السامرة قرب نابلس واستمرت حوالي مائتي عام 923 – 721 ق م وقد سمتها دائرة المعارف البريطانية المملكة الذيلية لذعفها وقلة شأنها، وقد قام الأشوريون بقيادة سرجون الثاني بالقضاء على هذه الدولة ونقلوا سكانها اليهود الى حران والخابور وكردستان والفارس واحلوا محلهم جماعات من الأراميين ويظهر أن المنفيين الإسرائيليين اندمجوا تماما في الشعوب المجاورة لهم في المنفى، فلم يبق بعد ذلك أثر لنسل الأسباط العشرة من بني إسرائيل (يعقوب) وهم الذين كانوا يتبعون هذه المملكة.
مملكة يهودا: وعاصمتها القدس واستمرت 337 عاما، ولم تكن تملك سوى أجزاء محدودة من وسط فلسطين وقد اعترتها عوامل الضعف ووقعت تحت النفوذ الخارجي فترات طويلة، ودخل المهاجمون القدس نفسها مرات عديدة كما فعل فرعون مصر شيشق أواخر القرن العاشر ق م والفلسطينيون الذين استولوا على قصر الملك يهورام وسبوا بنيه ونساءه كما خضعت للنفوذ الأشوري في عهود سرجون الثاني واسرحدون وأشور بانيبال. وأخيرا سقط البابليون بقيادة نبوخذ نصر هذه المملكة وحطموا القدس وسبوا 40 الفا من اليهود الى بابل في العراق وهاجر من بقي من اليهود الى مصر.
وعندما حكم سيروس العظيم بلاد فارس بعد قهره بلاد باب في 539 ق م سمح لليهود بالعودة الى يهودا ، فرجعت اقلية منهم بينما بقيت اغلبتهم في الأرض الجديدة (العراق) بعد أن أعجبتهم فاستقروا فيها. وسمح لليهود بنوع من الحكم الذاتي تحت الهيمنة الفارسية في منطقة القدس وبمساحة لا يتجاوز نصف قطرها 20 كم في اتجاه، أي بما لا يزيد عن 4.8% من مساحة فلسطين الحالية وعمل العائدون على جديد جدران القدس وصنفوا التوراة التي أصبحت رمز الحياة الاجتماعية والدينية
وفي عام 333 قبل الميلاد استبدل الحكم الفارسي لفلسطين بالحكم اليوناني وذلك بعد أن احتل الاكندر المقدوني الأكبر المنطقة وفي عهد وسيليوسدس أحد ورثة الإسكندر حاول أن يفرض الثقافة والديانة الهيلانية اليونانية على السكان، وكان ذلك في القرن الثاني ق م لكن اليهود تمردوا وتأسس لهم حكم ذاتي في القدس منذ 164 ق م أخذ يضيق ويتسع وتزداد مظاهر استقلاله أو تضعف حسب صراع القوى الكبرى في ذلك الزمان، لكنهم ظلوا تحت نفوذ غيرهم ولم يتهيأ لهم الاستقلال السياسي الكامل رغم انهم شهدوا انتعاشا وتوسعا تحت زعيمهم إلكسندر جانيوس 103-76 ق.م.
وقد غيّر الرومان الذين بدأوا حكم فلسطين منذ 63 ق م من سياستهم تجاه الحكم الذاتي اليهودي منذ السنة السادسة للميلاد فبدأوا حكما مباشرا على القدس وباقي فلسطين، وعندما ثار اليهود على الرومان 66-70 م أخمد الإمبراطور الروماني تيتوس الثورة بقسوة، ودمر الهيكل والقدس، كما قضي الرومان على ثورة أخرى وأخيرة لليهود 132-135 فدمروا القدس وحرثوا موقعها ومنع اليهود من دخولها والسكن فيها، وسمح للمسيحيين فقط بالإقامة على أن لا يكونوا من أصل يهودي، وأقام الرومان مدينة جديدة فوق خرائب أورشليم القدس يموها (إيليا كابيتولينا) ولذلك عرفت القدس فيما بعد بإسم إيلياء وهو الاسم الأول للإمبراطور الروماني في ذلك الوقت هارديان واستمر حظر دخول اليهود للقدس مائتي سنة أخرى.
وبعد انتهاء عهد هارديان زاد باطراد عدد المسيحيين المقيميين بالقدس ومع اعتناق الامبراطور قسطنطين الأول للمسيحية وزيارة أمه الملكة هيلانة للقدس سنة 320 م بدأ طابع القدس المسيحي يغلب على طابعها الوثني وشيد قسطنطين نفسه كنيسة القيامة ودأب خلفاؤه على الإكثار من بناء الكنائس والنصب المسيحية في فلسطين وسمح البيزنطيون لليهود بدخول القدس يوما واحدا في السنة فقط، للبكاء قرب حاجز كان لا يزال باقيا في موقع المعبد وقد أبقى البيزنطيون عليه إكراماً لما كان قد تكهن به المسيح عليه السلام (إنجيل متى 24:2)
وقبل وقت طويل من ظهور الإسلام في القرن السابع كان قد حدث تمازج متصل بين المسيحيين في فلسطين والسكان العرب وكان العديد من هؤلاء مسيحيين.
وسنة 637 م استولى العرب على القدس من البيزنطينيين، وأعرب الخليفة عمر بن الخطاب عن احترامه رغبة المدينة بأن تستسلم له شخصياً، وعامل أهلها برأفة واعتدال متميزين، وكتب لهم وثيقة أمان عرفت فيما بعد بالعهدة العمرية. ولقيت فلسطين التشريف والتكريم من الأمويين الذي كانت دمشق عاصمة لهم كما أن الخليفة الأموي الخامس هو عبد الملك بن مروان قد شيد المسجد العظيم الذي عرف بمسجد الصخرة وفي عهد العباسيين أولى خلفاء هذا العصر الاهتمام الكبير لفلسطين والقدس.
ويغلب الظن على أن المسيحيين في القدس طلبوا من الخليفة عمر بن الخطاب أثناء تفاوضهم لتسليم المدينة إدراج فقرة في عهدته تنص على منع اليهود من الإقامة في القدس غير أن الخلفاء بعده خرجوا عن شروط المعاهدة فيما يخص اليهود، وبدأوا بالتدريج يسمحون لهم بالإقامة في المدينة وأول ذكر لوجود معبد يهودي في القدس كان سنة 1047 م حسب ما ورد في كتابات ناصري خسرو.
وفي الحروب الصليبية تعرض العدد القليل من اليهود الذين كانوا موجودين بالقدس شأنهم شأن الآلاف من المسلمين لعمليات القتل والحرق والتعذيب على يد القوات الصليبية التي احتلت فلسطين واقامت مملكة القدس اللاتينية 1187-1099 م وتضاءل عدد اليهود المقيمين بالقدس في عهد الصليبيين الى شخص واحد وهو صباغ ، كتب عنه الحاخام بتاحيا .
لكن القائد صلاح الدين الذي تصدى للحملات الصليبية عمل بعد تحرير القدس على احياء الوجود اليهودي في المدينة، بل إن الديار الإسلامية جميعها أصبحت بعد انهيار الحروب الصليبية مونلا لليهود من أوروبا وذلك على عكس مسلك الصليبيين الذين كانوا معادين للسامية والاسلام.
وفي العهد العثماني الذي امتد على منطقة غرب آسيا بأكملها منذ 1516 م وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى واصل العثمانيون حرصهم الشديد على تطبيق الأساليب الإسلامية نفسها في التسامح والاعتدال تجاه المصالح الدينية المسيحية في فلسطين، كما فتحت الامبراطورية العثمانية ابوابها امام مئات الالاف من اللاجئين اليهود الذين فروا من الاضطهاد الديني المسيحي في إسبانيا وغيرها من دول العالم المسيحي، لكن الأغلبية العظمى من هؤلاء اليهود سلكت مسلك أسلافها في القرون الماضية بعد الحروب الصليبية وفظت ألا تعيش في فلسطين ذاتها ومن هنا هبط عدد اليهود في القدس مثلا في القرن الأول للحكم العثماني من 1330 الى 980 شخصا، وانخفض في القرن الثاني 150 شخصا واستمر في الانخفاض الى ان بلغ 115 شخصا في منتصف القرن الثامن عشر وحتى بحلول القرن 19 لم يستفد الا القليل من اليهود من فرصة الاستقرار في فلسطين.
واقتصرت اقامة الذين قرروا العيش فيها على مدن أربع هي القدس والخليل وصفد وطبريا، ووضع العثمانيون طائفة من الأحكام واللوائح تضمنت حقوق اليهود والمسيحيين وواجباتهم وممارسة شعائرهم الدينية في مزاراتهم واستندت هذه الأحكام الى العرف والحقوق التي أقر بها الحكام المسلمون منذ العهدة العمرية.
في ثمانينات القرن التاسع عشر حدث تطور مهم في أوروبا الشرقية وبدأ يلقي بظلاله على مستقبل الفلسطينيين فقد أدت ظاهرة الشعور القومي الأوروبي والاستعماري الى بلورة حركة سياسية يهودية عرفت باسم الحركة الصهيونية وانتشرت في أوساط المثقفين اليهود من أبناء شرق آوروبا، وكان الصهاينة يحنون الى الفكاك من وضعهم كأقلية في المجتمعات الأوروبية ومن الخطر المزدوج للاضطهاد والاندماج ورأوا أن الحصول على أرض يقيمون عليها دولة يهودية ذات سيادة هو السبيل الأمثل لتحقيق هذا الهدف. واستخدم الارتباط اليهودي القديم بفلسطين والتعلق الديني بها مبررا لاختيارها موقعا لهذه الدولة وإن أعرب بعض الصهاينة الأوائل عن استعدادهم للتفكير في مواقع بديلة.