المقالات - انتفاضة الأقصى


انتفاضة الأقصى | فلسطيننا

في خريف عام 2000، عادت القدس لتكون شرارة النار في وجه الاحتلال؛ ففي صباح 28 أيلول / سبتمبر، اقتحم زعيم المعارضة الإسرائيلية آنذاك أرييل شارون باحات المسجد الأقصى المبارك، في خطوةٍ استفزازية استهدفت كسر الإرادة الفلسطينية وإهانة أقدس رموزها الدينية والوطنية.

لكنّ المشهد انقلب رأسًا على عقب؛ فبدل أن يمرّ الاقتحام مرور الكرام، انفجرت الأرض غضبًا، واندلعت من القدس موجة غضبٍ فلسطينية عارمة امتدت إلى الضفة الغربية وقطاع غزة، لتتحول خلال أيام إلى انتفاضة شعبية مسلّحة هزّت الكيان الإسرائيلي وأعادت الصراع إلى جذوره الحقيقية: شعبٌ تحت الاحتلال يطالب بحريته وكرامته.

لم تكن انتفاضة الأقصى مجرّد ردّ فعلٍ على حدثٍ عابر، بل كانت انفجارًا تراكميًا لعقود من القهر والخذلان والوعود المنقوضة بعد اتفاق أوسلو.

هي لحظة الوعي الجماعي التي أعلن فيها الفلسطينيون أن السلام الزائف لا يُنهي احتلالًا، وأن الأقصى هو الحدّ الذي لا يُمسّ.

وبين الحجارة الأولى والرصاص، وُلدت مرحلة جديدة من النضال الفلسطيني، امتزج فيها الدم بالموقف، والرمز بالفعل، لتمتد الانتفاضة أكثر من خمس سنوات، تاركة وراءها آلاف الشهداء والجرحى، ومشاهد خالدة في الذاكرة الفلسطينية والعربية والإنسانية.


“السور الواقي” وإعادة احتلال الضفة الغربية

واجهت إسرائيل الانتفاضة بقوة عسكرية غير مسبوقة، فاستخدمت الطائرات والدبابات والمدفعية الثقيلة لقمع الاحتجاجات.

وفي مارس/آذار 2002، شنّت عملية عسكرية واسعة عُرفت باسم "السور الواقي"، أعادت من خلالها احتلال مدن الضفة الغربية التي كانت تحت إدارة السلطة الفلسطينية منذ اتفاق أوسلو.

أسفرت العملية عن تدمير واسع للبنية التحتية الفلسطينية، بما في ذلك المقار الحكومية، كما فرضت إسرائيل حصارًا مطبقًا على الرئيس ياسر عرفات في مقر المقاطعة برام الله حتى وفاته في 11 / 11 / 2004، والتي تُعدّ بحسب الرواية الفلسطينية اغتيالًا بالسمّ.



معركة مخيم جنين (نيسان 2002)

بين 3 و18 / 04 / 2002، اقتحم جيش الاحتلال مخيم جنين في شمال الضفة الغربية بآلاف الجنود والدبابات والجرافات، ودمّر أكثر من 455 منزلًا بالكامل و800 منزل جزئيًا.

خاض المقاومون الفلسطينيون من مختلف الفصائل معارك بطولية ضد الاحتلال، قُتل فيها 23 جنديًا إسرائيليًا، واستُشهد أكثر من 52 فلسطينيًا، نصفهم من المدنيين، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

تحوّلت معركة جنين إلى رمز للمقاومة والصمود الفلسطيني في وجه آلة الحرب الإسرائيلية.


حصار كنيسة المهد

في نيسان – أيار 2002، فرضت قوات الاحتلال حصارًا مشددًا على كنيسة المهد في بيت لحم، حيث لجأ إليها عشرات الفلسطينيين من المقاومين والمدنيين.

استمر الحصار أكثر من 40 يومًا، وانتهى باتفاق غامض قضى بإبعاد 39 فلسطينيًا إلى الخارج (أوروبا وقطاع غزة)، في مشهدٍ أثار إدانات واسعة دوليًا.


«كارين إيه» — محاولة لمجابهه سلاح المحتل

في كانون الثاني / يناير 2002 اعترضت إسرائيل سفينة «كارين إيه» في عرض البحر وقالت إنها تحمل شحنات أسلحة باتجاه الأراضي الفلسطينية، واتهمت السلطة الفلسطينية ووضعت اسم ياسر عرفات في دائرة الاشتباه.

فسّرت أوساط فلسطينية القضية آنذاك بأنها محاولة من عرفات لتعزيز موازين القوى وتأمين وسائل دفاعية في ظل الحصار والتصعيد، بينما استخدمتها إسرائيل ذريعةً لشن حملة أمنية وسياسية واسعة على القيادة الفلسطينية، طالت اعتقالات بارزة من بينها اعتقال اللواء فؤاد الشوبكي الذي حُكم عليه لاحقًا بالسجن 17 عامًا.


الجدار العازل: جدار الفصل العنصري

بدأت إسرائيل عام 2002 بناء جدار إسمنتي هائل بارتفاع يتراوح بين 4 و9 أمتار وطول يقارب 770 كيلومترًا، تحت ذريعة “الأمن”.

لكن الفلسطينيين وصفوه بـ “جدار الفصل العنصري” لأنه يضم مساحات واسعة من أراضي الضفة الغربية خلف الجدار، ويعزل المدن الفلسطينية عن القدس.

في 9 / 07 / 2004، أصدرت محكمة العدل الدولية في لاهاي فتوى تؤكد عدم قانونية الجدار وتطالب إسرائيل بوقف البناء وإزالته، إلا أن الأخيرة رفضت القرار واستمرت في توسيعه.


تدمير مطار غزة

افتتح الرئيس الراحل ياسر عرفات مطار غزة الدولي في 24 / 11 / 1998 كرمز للسيادة الفلسطينية، لكن إسرائيل دمّرته بالكامل خلال الانتفاضة في قصفٍ جوي مكثف، منهية بذلك أحد أبرز رموز الحلم الفلسطيني بالاستقلال.


رموز الانتفاضة وقياداتها

? ياسر عرفات

قائد الثورة الفلسطينية ومؤسس منظمة التحرير، حوصِر في مقر المقاطعة برام الله منذ 29 / 03 / 2002 حتى استشهاده بالسم في 11 / 11 / 2004.

بقي رمزًا للصمود الفلسطيني حتى آخر لحظة في حياته.


? الشيخ أحمد ياسين

مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، اغتالته طائرات الاحتلال بثلاثة صواريخ في 22 / 03 / 2004 أثناء خروجه من صلاة الفجر في مسجد المجمع الإسلامي بغزة.


? الطفل محمد الدرة

في 30 / 09 / 2000، هزّت صورة الطفل محمد الدرة وهو يحتضن والده وسط إطلاق النار في شارع صلاح الدين بغزة ضمير العالم، لتصبح رمزًا إنسانيًا عالميًا للمأساة الفلسطينية.


? أبو علي مصطفى

الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وأحد أبرز رموز النضال الوطني الفلسطيني.

اغتالته إسرائيل في 27 / 08 / 2001 بصاروخين استهدفا مكتبه في مدينة البيرة، فكان أول قائد فلسطيني يُغتال داخل مقره في وضح النهار.

تحوّل استشهاده إلى نداء مقاومةٍ جديد، وردّت الجبهة الشعبية بعملية اغتيال الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي، لتؤكد أن الدم الفلسطيني لا يضيع بلا ثمن.


? صلاح شحادة

قائد كتائب عز الدين القسام في غزة، اغتيل في 23 / 07 / 2002 بقصف جوي أدى إلى استشهاد زوجته وابنته و15 مدنيًا، عُرفت بـ مجزرة حي الدرج.


? عبد العزيز الرنتيسي

من أبرز قيادات حماس، اغتيل بصاروخ أطلقته طائرة أباتشي في 17 / 04 / 2004 بعد فشل عدة محاولات سابقة.


? مروان البرغوثي

أحد أبرز قادة حركة فتح، اعتقل في 15 / 04 / 2002، وحُكم عليه بالسجن المؤبد خمس مرات بتهمة قيادة كتائب شهداء الأقصى.


? أحمد سعدات

الأمين العام للجبهة الشعبية، اعتقل بعد اقتحام سجن أريحا في 15 / 03 / 2006، وحُكم عليه بالسجن 30 عامًا.


? ثائر حمّاد

منفّذ عملية “عيون الحرمية” (آذار/مارس 2003) التي قنص فيها 14 جنديًا ومستوطناً إسرائيليًا قرب رام الله، وأصبح رمزًا للبطولة الفردية الفلسطينية.


? شاكر حسونة الحسيني

شاب فلسطيني عشريني قتله الجيش الإسرائيلي خلال مواجهات مع فلسطينيين بمنطقة باب الزاوية (وسط مدينة الخليل) في 12 يناير/كانون الثاني 2001، وأثار مشهد سحله مصابا والتنكيل به الرأي العام واهتمام وسائل الإعلام الدولية.


اغتيال رحبعام زئيفي

في 17 / 10 / 2001، نفّذ مقاومون من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين واحدة من أبرز عمليات المقاومة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى، عندما اغتالوا وزير السياحة الإسرائيلي رحبعام زئيفي في فندق “هايات ريجنسي” بالقدس المحتلة.

جاءت العملية ردًّا مباشرًا على اغتيال القائد أبو علي مصطفى، وأُعلنت باسم “عملية الثأر الأمين”.

كان زئيفي من أشدّ الداعين إلى ترحيل الفلسطينيين (الترانسفير)، فكان اغتياله رسالة واضحة بأن يد المقاومة قادرة على الوصول إلى عمق المؤسسة الإسرائيلية، وأن اغتيال القادة الفلسطينيين لن يمرّ دون حساب.



حصيلة الانتفاضة

بحسب مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، أسفرت الانتفاضة بين عامي 2000 و2006 عن:

  • 4464 شهيدًا فلسطينيًا،
  • 47,440 جريحًا،
  • 9800 أسيرًا.

كما خلّفت تدميرًا هائلًا في البنية التحتية، واقتحامات متكررة للمدن الفلسطينية، واغتيالات طالت معظم قيادات الصف الأول في الفصائل.


الدلالات الوطنية والسياسية

  • أكدت الانتفاضة أن المسجد الأقصى والقدس خط أحمر لا يمكن تجاوزه.
  • أثبتت أن الاحتلال لا يفهم إلا لغة المقاومة، وأن التفاوض دون ضغط ميداني لا يحقق شيئًا.
  • رغم الخسائر الجسيمة، فإن انتفاضة الأقصى وحّدت الفلسطينيين ميدانيًا، ورسخت مفهوم الحق في مقاومة الاحتلال بكل أشكاله.


المراجع والمصادر

الجزيرة نت – انتفاضة الأقصى: من الأقصى إلى المخيمات

مركز المعلومات الوطني الفلسطيني (وفا)

هيومن رايتس ووتش – تقارير عن عمليات السور الواقي

محكمة العدل الدولية – رأي استشاري بشأن الجدار العازل (9 / 07 / 2004)