المقالات - شيخ المجاهدين - الشهيد عبد القادر الحسيني - سيرة ومسيرة


شيخ المجاهدين - الشهيد عبد القادر الحسيني - سيرة ومسيرة | فلسطيننا

"أعطني السلاح الذي طلبته منك وأنا أستردّها، ولقد كانت خطتي إلى الآن أن أحاصر القدس والمستعمرات اليهودية وباب الواد، وأن أمنع وصول النجدات والمؤن إلى اليهود، ونجحت هذه الخطة… أما الآن فقد تطورت الحال، وأصبح لدى اليهود مدافع وطائرات ورجال، وليس باستطاعتي أن أحتل القسطل إلا بالمدافع، أعطني ما طلبت وأنا كفيل بالنصر".

(عبد القادر الحسيني موجِّها كلامه لقائد جيش الإنقاذ العربي إسماعيل صفوت باشا).


كان الاحتلال البريطاني لفلسطين بين عامي 1917-1947 المحفز الأبرز للهجرة اليهودية المليونية الجائرة إليها، وتكوينهم المستوطنات المختلفة، وتسليحهم بالعتاد والسلاح بل والطيران، ناهيك بدعم القوات البريطانية أو تغاضيها عن مذابحهم التي ارتكبوها تحت حماية بريطانيا، وقد اعترف بذلك عدد من كبار القادة البريطانيين مثل المارشال (المشير) برنارد مونتغمري، أشهر قادتهم أثناء الحرب العالمية الثانية.

مشهد للقوات البريطانية وهي تستهدف مناطق قرب حيفا خلال الثورة العربية الكبرى

مشهد للقوات البريطانية وهي تستهدف مناطق قرب حيفا خلال الثورة العربية الكبرى

لم يكن اعتراف مونتغمري المتأخر الدلالة الوحيدة على محاباة البريطانيين لليهود وتآمرهم لمنحهم أرض فلسطين؛ حيث كانت نِيَّات لندن واضحة قبل ذلك بثلاثين عاما حين أطلقت وعد بلفور سنة 1917، وحين قررت تعيين اليهودي الصهيوني السير هربرت صمويل أول مندوب سامي بريطاني في فلسطين عام 1920، وكان أول القرارات التي اتخذها صمويل أن فتح هجرة اليهود إلى فلسطين دون قيد أو شرط،

إقرأ أيضا: وعد بلفور - وعد من لا يملك لمن لا يستحق

وسط هذه الأجواء بزغ نجم عدد من الشخصيات الفلسطينية الكبيرة ممن قادوا المقاومة والثورة ضد الوجود الصهيوني والبريطاني في بلادهم، وكان على رأسهم الشهيد عبد القادر الحسيني الذي عاش أربعين عاما فقط، ولكنها كانت مليئة بمواقف البطولة والثبات أمام البريطانيين والعصابات الصهيونية

إقرأ أيضا : ما هي الثورة الكبرى - ثورة ١٩٣٦

من هو عبد القادر الحسيني

عبد القادر الحسيني (1908-1948)، ويدعى "قائد المجاهدين وابن شيخ المجاهدين"، سياسي فلسطيني مقدسي وقائد عسكري ناضل في صدر شبابه أيام دراسته الجامعية من أجل القضية الفلسطينية. اعتبر أول من بدأ الثورة الفلسطينية الكبرى سنة 1936 بحشده رجال المقاومة في كل الأراضي لمقاومة الاحتلال. استشهد في الثامن من أبريل/نيسان 1948 وهو يخوض معركة تحرير مدينة القسطل.

إقرأ أيضا: ما هي معركة القسطل

عبد القادر الحسيني - المولد والنشأة

وُلد عبد القادر الحسيني في إسطنبول سنة 1908 لعائلة ميسورة مقربة من البلاط العثماني، والدته تدعى زكية الحسيني، أما والده موسى كاظم باشا الحسيني فقد كان مفوّضا لصالح الدولة العثمانية ومبعوثها في الأناضول ونجد وعسير، وتولى منصب رئاسة بلدية القدس سنة 1918 وقاد التحركات النضالية ضد الإنجليز بعد توقيع وعد بلفور واستشهد سنة 1934.

تزوّج عبد القادر الحسيني من وجيهة الحسيني وأنجبا 3 أولاد (موسى وفيصل وغازي) وبنتا سمياها هيفاء.

من اليسار أسفل الصورة قاسم الريماوي وعبد القادر الحسيني وكامل عريقات ومالك الحسيني عام 1948


عبد القادر الحسيني - النشأة والتعليم

بدأ عبد القادر الحسيني تعليمه بدراسة القرآن في زاوية في القدس، ثم انتقل إلى مدرسة روضة المعارف الابتدائية بالقدس، ومنها إلى مدرسة المطران غوبات  البروتستانتية في القدس، وفيها نال سنة 1927 شهادة الثانوية العامة.

سافر إلى لبنان والتحق بالجامعة الأميركية في بيروت، لكن انخراطه في النشاط السياسي ومطالبته باستقلال فلسطين دفعت بالجامعة إلى طرده، فتوجه إلى القاهرة، حيث التحق بقسم الكيمياء والرياضيات في الجامعة الأميركية.

خلال سنوات دراسته في القاهرة، أسس رابطة الطلاب في الجامعة الأميركية، وأخفى مواقفه وآراءه السياسية من أجل استكمال دراسته، ولكنه لم يتمالك نفسه، إذ أعلن خلال حفل التخرج بالجامعة أن تلك الجامعة الأميركية لعنة بما تبثّه من سموم في عقول الطلاب خدمة للاستعمار.

وجراء تصريحه جردته الإدارة من شهادته ثم تراجعت عن قرارها بعد خروج مظاهرة طلابية مساندة له ولموقفه، لكن رئيس الوزراء المصري آنذاك إسماعيل صدقي قرّر إبعاده عن البلاد سنة 1932.


عبد القادر الحسيني - التجربة السياسية

في السابع من مايو/أيار 1936 أعلن عبد القادر الحسيني أول بيان لـ"منظمة الجهاد المقدس" دعا فيه إلى بدء الثورة، وانضم إلى كتيبة المجاهد السوري الشهير سعيد العاص، وخاض عدة معارك إلى جانبه.

عبد القادر الحسيني

عبد القادر الحسيني


عبد القادر الحسيني - العمل العسكري

في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 1936 وفي أثناء خوضه معركة "الخضر" في قضاء بيت لحم، تعرّض لإصابة بليغة أدّت إلى أسره من الجيش البريطاني وإلى استشهاد رفيقه سعيد العاص، واقتيد إلى المستشفى العسكري في القدس، لكنه تمكّن من الهرب نحو دمشق حيث استكمل علاجه.

إقرأ أيضا : ما هي معركة الخضر

عبد القادر الحسيني (في المنتصف) بين رجاله قبيل استشهاده، يوم 7 أبريل.


إقرأ أيضا : معركة جورة بحلص ( رأس الجورة )، إحدى أكبر وأنجح المعارك التي خاضها ثوار محافظة الخليل


عبد القادر الحسيني والعوده للعمل العسكري مره أخرى

سنة 1938 عاد الحسيني إلى فلسطين متسللا، وذلك بعد تصاعد أحداث الثورة المسلحة، وتمكّن من المشاركة في عديد من معارك المجاهدين ضد القوات البريطانية، ولكنه في أكتوبر/تشرين الأول من السنة نفسها تعرض لإصابة خطيرة في منطقة بني نعيم التي تتبع قضاء الخليل، نقل على إثرها سرا إلى مستشفى الخليل حيث خضع للعلاج.

إقرأ أيضا : ما هي معركة بني نعيم قضاء الخليل

قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية انتقل الحسيني إلى لبنان ومنه إلى العراق ليتابع دورة تدريبية عسكرية، وحصل فيها على رتبة ضابط ليشارك في أبريل/نيسان 1941 في ثورة الضباط الوطنيين العراقيين ضد القوات البريطانية، لكنه بعد فشل هذه الثورة اعتقل في يوليو/تموز 1941، ونفي إلى بلدة زاخو على الحدود التركية.

بعد الإفراج عنه من السجون العراقية، توجّه إلى المملكة العربية السعودية، حيث استضافه الملك عبد العزيز بن سعود، الذي كانت تربطه علاقة صداقة بوالده موسى كاظم الحسيني، وأمضى سنتين سافر بعدها سرا إلى أحد المعاهد العسكرية في ألمانيا وقضى فيه 6 أسابيع تدرب خلالها على صنع واستخدام المتفجرات والألغام.

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وفي بداية سنة 1946، انتقل الحسيني وأسرته إلى القاهرة التي نظّم منها صفقات شراء الأسلحة المخلّفة في الصحراء الغربية خلال الحرب العالمية الثانية، كما خطط لتهريبها إلى المناطق الفلسطينية الجنوبية عن طريق العريش، ثم عن طريق ميناء صيدا اللبناني، هذه المرحلة انتهت في ديسمبر/كانون الأول 1947 بعد أن تسلّل عبد القادر الحسيني من الحدود المصرية عائدا إلى فلسطين.

غداة قرار التقسيم في نوفمبر/تشرين الثاني 1947، أعلنت "الهيئة العربية العليا" الجهاد واضطلع الحسيني بمهمة إعادة تشكيل قوّات جيش الجهاد المقدّس بعد أن اختير قائدا عاما لها، وتمكّن من إحراز انتصارات هامة ضدّ القوات الصهيونية في القدس أهمها نسف مقر الوكالة اليهوديّة بالقدس.

إقرأ أيضا : - أنطوان داوود - تفجير الوكالة اليهودية في القدس 🇨🇴🇵🇸


عبد القادر الحسيني

بعد يومين من هذه الرسالة سيُقتل كاتبها "عبد القادر الحسيني" وبعدها بـ 3 أيام ستقع مذبحة دير ياسين، وخلال شهر من كتابتها سنكون قد فقدنا أكبر مدننا حيفا ويافا. ترك الفلسطينيين في عام 1948 بلا مدفعي


عبد القادر الحسيني - الإستشهاد - شهيد القسطل

نهاية مارس/آذار 1948 توجّه عبد القادر الحسيني إلى دمشق، لطلب الإمداد بالأسلحة والذخيرة من الجنة العسكرية التابعة للجامعة العربية والمشرفة على القتال في فلسطين، لكن المفاوضات تعثّرت حتى هجم الإسرائيليون على القدس ونجحوا في احتلال قرية القسطل ذات الموقع الإستراتيجي المطل على الطريق العام بين القدس ويافا.

إقرأ أيضا : ما هي معركة القسطل

تتحدث كتب التاريخ عن هذا اللقاء بين عبد القادر الحسيني واللجنة العسكرية. يقول الحسيني أن اللجنة العسكرية طالبته بعدم افتعال تصرفات فردية، وأن جامعة الدول العربية قد أوكلت قضية فلسطين إلى لجنة عربية عسكرية عليا، وطالبوه بعدم الذهاب نحو القسطل، فقال ردا عليهم:

إنني ذاهب إلى القسطل وسأقتحمها وسأحتلها ولو أدى ذلك إلى موتي، والله لقد سئمت الحياة وأصبح الموت أحب إلي من نفسي من هذه المعاملة التي تعاملنا بها الجامعة، إنني أصبحت أتمنى الموت قبل أن أرى اليهود يحتلون فلسطين، إن رجال الجامعة والقيادة يخونون فلسطين " . 

بدأ يستنجد مرة أخرى بالقيادة العسكرية، وأرسل إليهم بأنه بمساعدتهم سينهي الوجود اليهودي فيها، بيد أن القيادة العسكرية للجامعة العربية أصرت على موقفها. وأثار ذلك الترنح في مواقف الجامعة العربية حفيظة الحسيني، وثارت ثائرته فأطلق صيحته قائلا:

نحن أحق بالسلاح المُخَزَّن من المزابل، إن التاريخ سيتهمكم بإضاعة فلسطين، وإنني سأموت في القسطل قبل أن أرى تقصيركم وتواطؤكم

ثم قفل عائدا إلى القسطل، وجعل يردد قول أخيه القائد الشاعر عبد الرحيم محمود الذي استشهد في معركة الشجرة:

بقلبي سأرمي وجوه العـداة


فقلبي حديد وناري لظى


وأحمي حماي بحد الحسـام


فيعلم قومي بأني الفتى


أخوفا وعندي تهون الحياة ؟!


أذلا وإني لـربي أبى ؟!


جنازة الشهيد عبد القادر الحسيني

إقرأ أيضا : من هو  الشاعر والمجاهد الفلسطيني الكبير عبد الرحيم محمود

دفعه الهجوم إلى العودة وقيادة هجوم مضاد لتحرير قرية القسطل، ولكنه استشهد في الثامن من أبريل/نيسان 1948 وهو يخوض المعركة بعد أن نجح مع رجاله في تحرير القسطل بأسلحتهم البدائية، وقتلوا أكثر من 150 إسرائيليا. ودفن جوار الحرم الشريف في القدس إلى جانب والده موسى كاظم الحسيني.

ولما خرج الجميع لتشييع عبد القادر الحسيني أبت قوات الاحتلال الصهيوني إلا أن ترتكب مجزرة أخرى فعمدت إلى مهاجمة قرية دير ياسين وأتت أُكلها فلم يبقَ فيها شيء ينبض بالحياة فقط ركام المنازل وأشلاء الفلسطينيين.

إقرأ أيضا : ما هي معركة القسطل