بدأت المقاومة الفلسطينية أعمالها على أرض الواقع في حربها ضد اليهود إثر قرار الهيئة العربية العليا القاضي باعتبار يوم 29 نوفمبر / تشرين الثاني 1947 يوم حداد، وناشدت الشعب الفلسطيني ان يستمر في المقاطعة وأن يضرب ثلاثة أيام وهي 2,3,4 ديسمبر/ كانون الأول، وسرعان ما ارتفعت أسعار السلاح لندرته لأن كل عربي في فلسطين هرع للحصول على قطعة منه ليدافع بها عن وطنه المهدد.

بلغ ثورة النفوس أوجها في أيام الإضراب الثلاثة، وقد أثارتهم الاحتفالات اليهودية التي أعقبت قرار التقسيم، وكان من أهم الأحداث ما وقع في مدينة حيفا حيث تعرضت الأحياء التي تربط يافا بتل أبيب لعمليات تدميرية واسعة النطاق، ويمكن القول أن ذلك الإضراب قد شمل جميع مرافق الحياة في المدن والقرى.

معركة القسطل الأولى

في 3 إبريل 1948 قامت مجموعة من عصابة البالماخ مؤلفة من سرية مصفحات وفصيلة هندسة ميدان ونحو 500 مقاتل من حرس المستعمرات بهجوم مباغت على هذه القرية بقصد فك الحصار المضروب وتأمين تموين مائة ألف يهودي في القدس الغربية وفي المستعمرات المحيطة بها ولم تكن القرية محصنة.

أثار سقوط القسطل في أيدي اليهود حمية المجاهدين العرب وقررت قيادة منطقة القدس مهاجمة القرية، فتجمع ما يقارب 300 مقاتل، وبدأوا معركتهم صباح 4 أبريل 1948 واستمرت ثلاث أيام، حققوا فيها انتصارات كبيرة، ألحقوا باليهود خسائر فادحة لكن الفارق بميزان القوى العسكرية جعل الكفة تميل لصالح العصابات اليهودية، فسقطت القرية في السادس من الشهر نفسه.

معركة القسطل الثانية

في 7 أبريل 1948 زحف القائد عبد القادر الحسيني بقوات المقاتلين لاسترداد قرية القسطل، فاستطاع رجال عبد القادر الحسيني تطويق القرية بعد قتال شديد، وشنت مجموعة منهم هجوما على مسلحي العصابات اليهودية الذين تحصنوا في القرية، لكن بسبب فارق العتاد والذخيرة فشلت محاولات المقاتلين.

ومن ثم قاد عبد القادر الحسيني بنفسه الهجوم مجددا، وأدار هو ورجاله معركة شديدة كان فيها شجاعا مقداماً، ولكن سرعان ما نفذت أسلحتهم، في حين تعززت قوة عصابات اليهود العسكرية بالإمدادات فأطبقوا على عبد القادر ورجاله وحاصروهم بإحكام وعم الخبر، فزحف المتطوعين والمجاهدين لنجدتهم، وبلغ عدد هؤلاء نحو 500 مجاهد، وأطبقوا على القسطل من جميع الجهات.

في 9 إبريل 1048 قاد عبد القادر وأعوانه معركة ضارية، نجحوا من خلالها في طرد اليهود من القسطل لكنه استشهد أثناء المعركة ، وبعد استشهاده غادر الكثير من المقاتلين القرية، فاستغل اليهود هذه الظروف فعادوا واحتلوا القرية مرة ثانية ودمروا بيوتها وحصونها ومسجدها، وهكذا حدث السقوط الثاني للقرية.

استمر القتال بين العرب واليهود في طبريا منذ ديسمبر 1948 حتى فبراير  ثم توقفت المعارك في 14 مارس 1948، بعد اعلان الهدنة بين الطرفين، إلا أن اليهود نكثوا الهدنة بعد شهر واحد ، ففي 16 ابريل بدأت الأرغون هجومها على طبرية، ولكن الجيش البريطاني تدخل هذه المرة وأعلن هدنة أخرى مدة ثلاث أيام وفي اليوم الثالث أقنع الضابط البريطاني المسؤول بالمنطقة المدافعين العرب بترك طبرية، بدعوى أنه لن يستطيع حمايتهم أمام هجمات العصابات الصهيونية، واستعملت وسائل نقل الجيش البريطاني لإجلاء السكان العرب جميعاً.

بدأ القتال في حيفا بعد قرار التقسيم مباشرة، وكان قتالا شرساً، ولم ينحصر القتال في حيفا بل امتد الى عكا والقرى المجاورة ووقعت معركة على طريق بين حيفا وعكا عندما تصدى افراد من العصابات الصهيونية لقافلة عربية تحمل الذخائر.

وفي 22 ابريل 1948 سقطت مدينة حيفا بأيدي اليهود بسبب تعاون الجيش البريطاني مع العصابات اليهودية، حيث صادر البريطانيون معظم الذخيرة والأسلحة من المقاتلين العرب، فاستغلت عصابة الهاغانا وضع العرب العسكري وقامت بمهاجمة المدينة

.

بدأ الهجوم الكبير على يافا في 15-03-1948 غير أن المقاتلين العرب ردوا هذا الهجوم، وبعد خمسة أيام شن رجال العصابات اليهودية هجوما أقوى على منطقة أبو كبير وهي منطقة مهمة بجوار يافا، ورد العرب هذا الهجوم أيضاً، لكنه تكرر في 22- و 23 من الشهر نفسه.

أخافت هذه الهجمات المتكررة على يافا وقضائها سكان المدينة، فاستنجدت اللجنة القومية العربية في يافا باللجنة العسكرية في دمشق، وبناء على ارسلت اللجنة العسكرية في 26-3 كتيبة القادسية الى يافا، واتخذت موقعها في حي المنشية والبصة، وفي 24-4 هاجمت العصابات الصهيونية حي المنشية، وفي اليوم التالي ألقو قنابل الهاون والصواريخ على المدينة كلها، واستمر الهجوم بالقوة نفسها حتى 28-4.

في هذه الأثناء أرسل فوزي القاوقجي مجموعة من جيش الانقاذ بقيادة النقيب ميشيل العيسى لدعم المقاومة، لكن العيسى فوجئ بأن قائد كتيبة القادسية النقيب نجم الدين الذي كان يتمركز بالمواقع الاستراتيجية قد أخلى هذه المواقع لخلافه مع القاوقجي، فتمكن اليهود من احتلال المنشية وتل الريش دون خسائر، وفي اليوم نفسه سقطت سلمة والعباسية وبيت دجن من قضاء يافا في أيدي اليهود فدب الرعب، فاندفع الناس هاربين ووقع في الشرك النقيب ميشيل العيسى ورجال فقد أحاط بهم العدو من كل الجهات، وفي 5-5 فر العيسى ورجاله وبعض أعضاء اللجنة القومية من المدينة المحاصرة، مما زاد الرعب في قلوب سكان المدينة فاصيبوا بالذهول هم يشاهدون القوات العربية ترحل عن يافا وعمت الفوضى وترك آلاف السكان بيوتهم خالية بحثا عن وسلة للفرار من يافا.

معركة حي القطمون

ظل حي القطمون العربي منذ أن تبنت الأمم المتحدة قرار التقسيم مسرحاً للهجمات اليهودية نظرا لموقعه الاستراتيجي، ولقد هز المدينة نسف فندق سمير أميس في 15-1-1948 ونتج عنه دفن 22 عربيا تحت الانقاض كما نسفت ثلاث بيوت.

وقد شنت العصابات الصهيونية هجوما الأكبر على القطمون في 27-4 وكان أول ما سقط من القطمون في ايدي اليهود دير الروم الأرثوذكس وقد تبين لابراهيم أبو دية الذي كان متوليا الدفاع عن القطمون ضخامة القوى المهاجمة فطلب النجدة، فجاء فصيل من جيش الانقاذ وخمسون رجلا من الجهاد المقدس، لكن كل هذه القوات لم تستطع الوقوف أمام هجمات اليهود المزودين بأحدث السلاح والعتاد، وفي الأول من مايو اضطر أبو دية مع قلة من المناضلين الذين بقوا على قيد الحياة للمغادرة، وبذلك ترك الأهالي حي القطمون خوفا على حياتهم من مجازر يرتكبها الصهاينة، وهكذا سقط الحي بأيدي العصابات الصهيونية.

وفي 14 مايو انسحبت الكتيبة السادسة من جيش الانقاذ من القدس إلى أريحا، وكانت مهمة هذه الكتيبة حراسة القوافل الفلسطينية في رحلاتها الى بيت لحم والخليل ورام الله، وصدر قرار المغادرة هذه الكتيبة عن غلوب باشا.

بيسان مدينة حدودية على بعد أميال قليلة من بحيرة طبريا، وأربع كيلومترات من الحدود السورية، وكان وضعها العسكري ضعيفا بعد انسحاب فوزي القاوقجي في 25 ابريل من مستعمرة هايميك.

وفي 12-5 تجمعت قوات يهودية من كل المستعمرات المحيطة بها وقامت بالهجوم على المدينة الصغيرة التي لم يتجاوز عدد المدافعين عنها مائتين أكثرهم من أهلها، فاحتلت هذه المدينة وكان احتلالها قبل ثلاثة أيام من موعد دخول الجيوش العربية الى فلسطين.

كانت المعارك في صفد وحولها مستمرة ككل مدن فلسطين وقراها، وكان مجموع سلاح العرب منذ بدء القتال حتى نهايته وبما أرسلت لجنة دمشق مضافا إلى ما تمكن أهل صفد من شرائه لا يزيد عن 400 بندقية بعضها فرنسي وبعضها إنجليزي، وكان أديب الشيشكلي هو قائد القطاع الذي يضم صفد. وقد انسحب الانجليز من صفد – المدينة التاريخية التي تضم حوالي 12500 نسمة وفي 16-4-1948 دخل العرب جوانب المدينة، فاحتلوا كثيرا من جوانبها وكانوا حوالي 600 مقاتل منهم قرابة 470 من الفلسطينيين و 130 من جيش الانقاذ.

قبل معركة صفد تمكن اليهود من احتلال القريتين العربيتين عين الزيتون وبيريا، وبذلك عزلوا صفد عن القرى المهمة، وبينما استمر القتال بين الفريقين دون انقطاع تلقى اليهود في يومي 5 و 6 مايو نجدات عسكرية حملتها 172 سيارة عسكرية، مما أثار في معنويات المقاتلين العرب، ورغم تمسك الصفديون بمواقعهم، وأخذ الشيشكلي يدك بمدافعه مواقع اليهود، اشترك عدد من العراقيين بمدافعهم فأسهموا بقدر كبير في تحطيم الحي اليهودي وجمع اليهود جحافلهم فهاجموا المواقع الصفدية في ثلاثة صفوف وفي 8-5 كان اليهود يستعملون راجمات صنعوها باتقان مع قنابل الهاون، وانكسر الهجوم اليهودي أمام صلابة العرب المدافعين، ولكن الذخائر العربية وهي المشكلة المتكررة بدأت تنقص وتقل.

يقول الكاتب اليهودي مايرفيشر: إن العرب استأنفوا قصف المدافع يومي 9 و 10 مايو، وكانت هذه المرة أشد فتكا وإحكاماً، وكانت قذائفهم يزرع الموت والدمار حيثما تساقطت، وكادت صفد تسقط بأيدي العرب لولا أن هرعت نجدات كبيرة أخرى من قوات البالماخ، وكانت هذه القوات مسلحة بأسلحة كثيرة ووفيرة، وكان بينها عدد غير قليل من مدافع الفيات، وكان الجو ماطرا، والتحم الفريقان في كل مكان ولا سيما عمارة البوليس من دار الى دار ومن غرفة الى غرفة وقد استعملا السلاح الأبيض عندما سكت صوت المدفع ونفذت ذخائر العرب، لكن استنادا الى ميزان القوى سقطت صفد في 12-5 بيد العصابات اليهودية، بعد استشهاد مائة فلسطيني ومقتل 850 يهوديا.

معركة كفار إتسيون الكبرى

كانت كفار اتسيون كبرى أربع مستعمرات يهودية واقعة على منتصف الطريق بين القدس والخليل وأشدها تحصينا، في 6-5-1948 كانت وحدة من الجيش العربي في طريقها الى الخليل يرافقها عدد من السيارات فسقطت عليها قنابل الهاون من دير الشعار وهو دير قريب من المستعمرة احتلته اليهود. ونتج عن ذلك قتل جندي وجرح آخرين، فاندلعت معركة أجبرت الضابط على الوحدة بطلب النجدة من القدس وحين وصلت النجدة اشتدت المعركة ثم توقف اليهود فجأة عن إطلاق النار فاستأنفت القافلة العسكرية طريقها.

وفي اليوم التالي هاجم الجيش العربي دير الشعار يدعمه 500 من المناضلين فاحتلوه وفر من بقي فيه من اليهود إلى كفار تسيون وسار الجيش العربي في سبيله إلى القدس، بعد أن ترك عددا قليلا من المقاتلين لحراسة الدير، فاستغل اليهود ذلك وهاجموا الدير وتمكنوا من استعادته في اليوم التالي.

وفي 12-5 هاجم الجيش العربي المستعمرة، ومعه مئات من المناضلين الفلسطينيين واشتبكوا مع اليهود وبعد عدة ساعات تطورت المعركة إلى مأزف فطلب الضابط قائد العملية في الجيش العربي معونة، وأمر غلوب باشا النقيب عبد الله التل بالتنفيذ، فاتخذ النقيب التل مكانه على رأس القطعة المصفحة الحسنة التجهيز وأمر مائة من رجاله بالتقدم لنزع الأسلاك الشائكة وحين بدأ بالقصف رفعت المستعمرة العلم الأبيض حتى إذا تقدم الجنود باتجاه المستعمرة فتحت الهاغانا النار عليهم غدرا فقتلت 12 منهم، وجرحت 30 وشن الهجوم ثانية. واندفع مئات من المناضلين الفلسطينيين الى المستعمرة فاحتلوها بعد أن قتل معظم اليهود المسلحين فيها.

 

استطاع الفلسطينيون ان يحتفظوا بثغر عكا البحري والقرى المجاورة لها طوال أيام الصراع الدموي مع اليهود من نوفمبر غلى مايو 1948

وحين وصل جيس اليرموك بقيادة أديب الشيشكلي في أواخر يناير لم يترك سوى ثلاثين مقاتلا لمساندة أهل المدينة، وكان اهل المدينة شوكة في جنب اليهود يتربصون بسياراتهم ويعترضون مقاتليهم.

واستمرت عكا محتفظة بكيانها العربي حتى هوت حيفا بيد اليهود، وكثر عندئذ ساكنوها من اللاجئين وتفرغت لها وحدات اليهود المقاتلة وأخذت تصب عليها نيران مدافعها وأخذ أبناء عكا والمهاجرون من أبناء حيفا يواصلون قتالهم، في حين ظل قائد جيش اليرموك يستنجد بلجنة دمشق العسكرية بلا جدوى، وفي 11-5 قرر الشيشكلي الانسحاب بجيشه، وبقي أهل عكا وحدهم يقاتلون بعد أن خاب الأمل في عون لجنة الجامعة بدمشق، كما أن زيارة وفد منهم الملك عبد الله في عمان لم يأت بما كان يرجى منها من النجدة. وكذلك حدث مع الوفد الذي توجه إلى لبنان.

ودارت معارك دامية عند تل نابليون واستشهد العديد من شباب عكا الذين حاولوا وقف الزحف اليهودي ودارت معركة في الجانب الآخر من المدينة استشهد فيها كل المدافعين عن تلك الجهة من شباب عكا، واستمر الموقف مضطربا خطيرا.

في 15-5 وبينما كان أهالي عكا ينتظرون جحافل الجيوش العربية السبعة، خاضوا قتالا شرسا مع اليهود استمر في الليل والنهار، فتمكنوا من خلاله انتزاع محطة السكة الحديد من اليهود واخرجوهم ايضا من بناية مصلحة الشؤون، كما خاض جزء منهم عركة دامية عند دار السينما الأهلية اسفرت عن مقتل 60 من العصابات اليهودية، لكن المدافعين العرب لم يستطيعوا الصمود طويلا، ففي صباح اليوم التالي اكتشفوا أن ذخيرتهم أوشكت على النفاذ، كما أن الجيوش العربية لم تصل إلى عكا.

ومما زاد الطين بلة أن الصهاينة عمدوا الى بث ميكروب التيفوئيد في المياه مما أدى إلى انتشار المرض الخطير ، وأصبحت المدينة تعج بالمرضى الذين يطلبون علاجاً والأصحاء الذين يطلبون حقنا للوقاية، كما أن الجميع لم يجدوا ماء للشرب والاستعمال.

وهكذا سقطت عكا بأيدي اليهود في 16-5-1948 وبعد سقوط عكا سقطت أيضا القرى التالية: شعيب والمغار والدامون وتمرة وأم فرج والكابرة والزيب والبصة وعمقا وترشيحا.

شاركنا برأيك

البريد الإلكتروني، فقط للرد على إستفساراتكم
Loading ...
شكراً لكم، تم إضافة التعليق بنجاح