المقالات - النكبة الكبرى وبداية الإحتلال - إحتلال الأرض الفلسطينية (14 أيار/مايو 1948)


النكبة الكبرى وبداية الإحتلال - إحتلال الأرض الفلسطينية (14 أيار/مايو 1948) | فلسطيننا

في الرابع عشر من أيار/مايو عام 1948، وقبل ساعات قليلة من انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين، أعلن ديفيد بن غوريون، زعيم الوكالة اليهودية ورئيس المنظمة الصهيونية العالمية آنذاك، قيام ما سُمِّي بـ“دولة إسرائيل” على أرض فلسطين التاريخية. وقد مثّل هذا الإعلان لحظة مأساوية في الوعي الفلسطيني، إذ يُنظر إليه باعتباره اليوم الذي تجسّدت فيه النكبة الكبرى وبداية مشروع اغتصاب الأرض الفلسطينية.


خلفية الإعلان وبذور المشروع الصهيوني

لم يكن إعلان الدولة الصهيونية حدثًا مفاجئًا أو معزولًا، بل جاء تتويجًا لمشروع استعماري استيطاني بدأ منذ عقود طويلة. فقد أُطلقت شرارته الأولى مع وعد بلفور عام 1917، حين منحت بريطانيا "وعدًا" بإنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، رغم أنّها أرض مأهولة بشعب عربي يمتلك حضارته وجذوره العميقة.

على مدار العقود التالية، قدّمت بريطانيا دعمًا سياسيًا وعسكريًا واسعًا للهجرة اليهودية المنظمة إلى فلسطين، وصولًا إلى عام 1948 حين تمّ إعلان الدولة على أنقاض أكثر من 500 قرية ومدينة فلسطينية دُمّرت وشُرّد سكانها قسرًا.


الإعلان الصهيوني: خطاب أسطوري لتبرير الاحتلال

في اليوم نفسه الذي انسحبت فيه بريطانيا من فلسطين، أعلن بن غوريون من مدينة تل أبيب قيام الدولة الجديدة، ودعا يهود العالم إلى “العودة إلى الوطن”.

تضمّن خطابه روايات توراتية مزيفة عن “أرض الميعاد” و“الشعب المختار”، مدّعيًا “الحق التاريخي” في إقامة دولة على ما أسماه “أرض إسرائيل”.

لكن هذا الإعلان، في جوهره، كان إعلان حرب على الوجود الفلسطيني، إذ تجاهل أصحاب الأرض الأصليين الذين شكّلوا الغالبية الساحقة من السكان، وتغاضى عن جرائم التطهير العرقي التي نفذتها العصابات الصهيونية كـ“الهاغاناه” و“الإرغون” و“البلماح” و“شتيرن”، تحت مرأى قوات الانتداب البريطاني.

زخر "إعلان الدولة" بادعاءات تهدف إلى تبرير الاستعمار والاحتلال، منها القول إن "أرض إسرائيل هي مهد الشعب اليهودي" وإن "عودة اليهود إليها حق طبيعي وتاريخي".

إلا أن الخطاب كان تشويهًا صارخًا للتاريخ والجغرافيا، إذ إن فلسطين كانت على مر العصور أرضًا عربية عريقة شهدت حضارات كنعانية، سريانية، إسلامية ومسيحية متعاقبة.


الاعتراف الأمريكي بالدولة الصهيونية

بعد أحد عشر دقيقة فقط من إعلان بن غوريون قيام “دولة إسرائيل”، أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية، بقيادة الرئيس هاري ترومان، اعترافها الرسمي بالكيان الجديد في الساعة 11:11 مساءً بتوقيت واشنطن.

شكّل ذلك الاعتراف أسرع اعتراف دبلوماسي في التاريخ الحديث، وعكس التحالف المبكر بين المشروع الصهيوني والولايات المتحدة التي رأت في الدولة الوليدة حليفًا استراتيجيًا يخدم مصالحها في الشرق الأوسط.

منذ ذلك الحين، أصبح الدعم الأمريكي ركيزة أساسية لبقاء إسرائيل، إذ وفّرت واشنطن الغطاء السياسي والعسكري والاقتصادي لكل جرائم الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.


أقرأ أيضا : النكبة جرح فلسطين الغائر


النكبة: النتيجة المباشرة لإعلان الدولة

ما إن أُعلن قيام "إسرائيل" حتى بدأت فصول النكبة الفلسطينية، التي تُعدّ أكبر مأساة إنسانية في التاريخ الفلسطيني الحديث. فقد تم:

  • تدمير أكثر من 531 قرية ومدينة فلسطينية.
  • تهجير وتشريد أكثر من 750 ألف فلسطيني نحو المنافي والشتات.
  • ارتكاب عشرات المجازر المروعة مثل دير ياسين، الطنطوره، اللد، والرملة.
  • مصادرة الأراضي والممتلكات، وتدمير المعالم الفلسطينية لإخفاء الهوية العربية للبلاد.
  • كل ذلك جرى بدعم مباشر من القوى الاستعمارية الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة التي تحوّلت تدريجيًا إلى الراعي الأول للمشروع الصهيوني في العالم.


هكذا وُلدت إسرائيل ككيان استعماري قائم على القوة والإقصاء، لتفرض أول نظام فصل عنصري (أبارتهايد) في المنطقة، مغلف بخطاب ديني وسياسي زائف يدّعي "الحق الإلهي" في أرضٍ يسكنها شعبٌ آخر.