من رحم القدس وتحت أقدام مئات الأجيال التي تعاقبت على زيارته، ينبش الاحتلال الإسرائيلي ـ أنفاقا تهدّد عمق هوية الشعب الفلسطيني، وسراديب تُستباح بها قدسية المسجد الأقصى. فحين تُقاد الحفريات بخطى سرّية تحت باحات الأقصى، لا يُحفر في الأرض وحدها، بل تُنخَسَ رقابُ الحق وتُمحى ذاكرة أمة، في محاولة ممنهجة لإعادة كتابة التاريخ والحضور.
إن الحفريات التي تمت منذ العام 1967 حتى اليوم، ليست مجرد تداخل تقني في التربة، بل جزء من مشروع استعماري يستهدف تفكيك الحِجْر والأساس، وإلغاء الشاهد الأثري على بقاء المسلمين في القدس. لذا، في هذا المقال سنسبر أغوار تلك الحفريات تحت الأقصى، نسلّط الضوء على أنفاقها، على المخاطر التي تتهدّدها، وعلى الموقف الفلسطيني الرافض الذي يرى فيها سطواً على المقدّس ومحاولة لطمس الهوية.
الأهداف الإسرائيلية من الحفريات والأنفاق تحت المسجد الأقصى
تهدف الحفريات الإسرائيلية تحت المسجد الأقصى ومحيطه إلى فرض رواية تاريخية مزيفة تزعم وجود بقايا أثرية يهودية يمكن أن تشكل دليلًا على وجود اليهود في القدس القديمة، وتحديدًا ما يُعرف في السردية الصهيونية بـ“الهيكلين الأول والثاني”.
ويعمل هذا المشروع على إسناد فكرة “استعادة بناء الهيكل الثالث المزعوم” كهدف ديني–سياسي يشرعن السيطرة على المكان المقدس للمسلمين، ويبرر استمرار الاحتلال.
1. صناعة “تاريخ عبري بديل”
تسعى سلطات الاحتلال إلى اختلاق تاريخ عبري موهوم من خلال إعادة تفسير المكتشفات الأثرية وربطها بالفترة العبرانية المزعومة، رغم أن أغلب الشواهد المكتشفة تعود إلى العصور الإسلامية أو العربية.
وبهذا، تحاول إسرائيل إعادة كتابة الذاكرة الحضارية للقدس بما يخدم مشروعها الاستيطاني الديني.
2. طمس المعالم العربية والإسلامية
إلى جانب اختلاق الرواية، تعمل الحفريات على تدمير الآثار الإسلامية والعربية التي تمثل الدليل المادي على عروبة القدس وإسلاميتها، بدءًا من العصر الأموي وصولًا إلى العهد العثماني.
هذه المعالم تُستبدل تدريجيًا بمشروعات تهويدية تحمل أسماء توراتية أو عبرية جديدة.
المخاطر والتبعات المدمّرة للحفريات
تتجاوز خطورة الحفريات الجانب الأثري إلى تهديد مباشر للوجود المادي والحضاري للمسجد الأقصى والقدس القديمة.
فقد أدت هذه الأنشطة المتواصلة إلى تدمير متعمّد لطبقات أثرية تمثل العصور الإسلامية والعربية المتعاقبة، وإلى زعزعة البنية الإنشائية للمدينة القديمة.
1. تدمير ممنهج للآثار الإسلامية
الحفريات المتكررة ألحقت ضررًا بالغًا بالمعالم الأثرية فوق الأرض وتحتها، وأزالت طبقات أثرية كاملة من العصور الأموية، والعباسية، والمملوكية، والعثمانية، في عملية طمس ممنهجة للذاكرة المادية الإسلامية للقدس.
كما شوهدت تشققات في أرضيات المسجد الأقصى وجدرانه، وظهرت تصدعات في أبنية تاريخية في سلوان والبلدة القديمة.
2. تهديد السلامة الإنشائية للمسجد الأقصى
تسببت أعمال الحفر العميقة في إضعاف الطبقات الجيولوجية الحاملة لبنية المسجد الأقصى، ما أدى إلى تصدعات وانهيارات جزئية في مواقع مختلفة داخل الحرم القدسي الشريف.
هذه المخاطر قد تتفاقم مع مرور الوقت أو في حال وقوع زلازل أو اهتزازات بسيطة.
3. تهويد ما فوق الأرض وما تحتها
بجانب الخطر المادي، تسعى سلطات الاحتلال إلى تحويل باطن القدس إلى مدينة يهودية تحت الأرض، مليئة بالكنس والمزارات التوراتية التي تُخدم الرواية الصهيونية، بينما يتم تهويد ما فوق الأرض عبر المشروعات الاستيطانية.
شاركنا برأيك